الأهرام
فتحى محمود
تحديات أمام القمة العربية
تأتى القمة العربية التى ستشهدها العاصمة الأردنية عمان الشهر المقبل والعالم العربى يعيش أضعف حالاته، ومفهوم الدولة الوطنية يواجه خطر الانهيار، والتدخلات الإقليمية والدولية أضحت صاحبة القول الفصل فى الأزمات الخطيرة التى تعانيها الدول العربية.

والغريب اننا فى موقف مشابه إلى حد ما لأجواء قمة عمان التى عقدت فى مارس ٢٠٠١وصف الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل وقتها التجمع العربى فى عمان بأنه غريب غير متوافق، فالتجمعات العربية الإقليمية تبحث عن أمنها ومصالحها بعيدا عن النظام العربى .. فدول الخليج تبحث عن الحماية العسكرية أمريكيا وتجد فى النظام العربى عبئا ماليا لا جدوى منه، ودول شمال أفريقيا تحاول الحصول على مكاسب اقتصادية وربما مكاسب أخرى بالشراكة مع أوروبا والابتعاد عن العرب والشرق الأوسط، فى حين أن الصومال وجيبوتى وجزر القمر لا علاقة لها بالعرب ابتداء، أما الدول الأخرى فلها مشكلاتها وهمومها الكثيرة.

بينما يحاول المفكر والبرلمانى الأردنى سمير الحباشنة، وزير الداخلية الأسبق، أن يكون أكثر تفاؤلا فيربط بين قمة عمّان ١٩٨٧ التى حملت شعار تحقق بالفعل «قمة الوفاق والاتفاق»، وبين قمة عمّان المقبلة .. ويراهن على تمنيات عربية بأن تصبح قمة «الوفاق والاتفاق ٢»، فيقول رهاننا الا تكون قمة عادية بنتائجها، وان تكون قمة وفاق واتفاق حقيقي، تعيد سوريا الى الصف العربي، وتسعى الى جمع الأشقاء السوريين تحت مظلة القمة ليتوافقوا فيما بينهم لانهاء حربهم العبثية، ويعيدوا لسوريا أمنها واستقرارها، ويحفظوا وحدة ارضها وشعبها، ويضعوا معا صياغة لنظام سياسى ديمقراطى للجميع بلا اقصاء أو تهميش لأى طرف.

قمة عمان ... رهان أن تكون الحضن الذى يجمع الاشقاء العراقيين وان تنهى انقساماتهم الوهمية، «المذهبية والمناطقية»، فيضعوا أسسا للمصالحة تعيد للعراق مكانته وألقه ودوره الدائم كمركز اشعاع وظهير للعرب ولمستقبلهم.

قمة عمان ... رهان أن تتوج جهود الشقيقة مصر بانهاء الحرب فى ليبيا عبر توافق وطنى يعيد لليبيا أمنها المفقود ووحدتها المهددة.

قمة عمان ... رهان أن تعيد لليمن وحدته وسلامة شعبه، ووقف تلك الحرب المدمرة، وجمع اطرافه المتحاربة عند نقطة وسطى تنهى المأساة اليمنية . ولنا أن نتذكر هنا الجهد الأردنى النزيه فى مطالع التسعينيات من أجل وحدة وامن واستقرار اليمن العربي«السعيد» .

واخيرا فان قمة عمان هى الرهان أن تعيد للقضية الفلسطينية مكانتها كأولوية عربية مركزية، وذلك بدعم الاشقاء فى الداخل والسعى لانهاء انقساماتهم غير المقبولة وغير المبررة، واتخاذ موقف عربى صارم بأدوات تنفيذية تجاه غطرسة اسرائيل خصوصا بعد انتخاب الرئيس ترامب الذى يبدو أن سياسته المعلنة تتماهى تماما مع السياسة الاسرائيلية. ذلك ان حل الدولتين أمر لن يأتي، ولن تصدع له اسرائيل، ولن توقف الاستيطان، ولن تتوقف عن تهويد القدس الا بمجابهة عربية جادة، يتم توظيف كل الامكانات على اختلافها لتحقيق ذلك.

وبعد، وحتى تتحقق كل هذه التمنيات، ويبدأ الميزان يميل للصالح العربى فان ذلك يتطلب دبلوماسية نشطة تضع تصورات وأسسا إيجابية لكل هذه الملفات فتتحول فى القمة الى قرارات عربية.

نراهن على الدبلوماسية الأردنية بألا تسمح أن تكون قمة عمان، قمة تقليدية رتيبة، اجتماعا من أجل الاجتماع لا غير.

وبعيدا عن تشاؤم هيكل وتفاؤل الحباشنة فإن الواقع يقول اننا بصدد قمة عادية، من الصعب أن تخرج بمواقف استثنائية تتناسب مع حجم المخاطر والتحديات التى تواجه الأمن القومى العربى الآن.

ففى أحدث تصريح رسمى عن القمة أكد وزير الدولة لشئون الإعلام الناطق الرسمى باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، أن القمة العربية المقبلة ستكون مناسبة لتأكيد المواقف والتحديات التى تواجه الأمة العربية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع الإقليمية والحرب على الإرهاب، لافتا إلى أن الحكومة الأردنية تقوم حاليا بجميع التحضيرات لاستضافة القمة نهاية مارس المقبل وبما يليق بالقادة والزعماء العرب المشاركين بالقمة.

وقال المومني، إن الأردن دولة توافق وعلاقاتها وثيقة مع الدول العربية كافة، والأردن سباق فيما يخص تعزيز العمل العربى المشترك، مشددا على أن للمملكة قدرة على استضافة مثل هذا الحدث الكبير، لافتا إلى أن هناك ثلاث لجان تعمل على التحضير للقمة العربية المقبلة.

وأعرب المومنى عن أمله فى أن تكون القمة المقبلة محطة للتوافق بين الزعماء العرب وطرح رؤاهم فيما يخص الأمن القومى العربى ومختلف التحديات.

والحقيقة التى يعلمها الجميع «تأكيد المواقف والتحديات التى تواجه الأمة العربية» ليس بحاجة إلى قمة عربية، وأن هناك مصالح متضاربة الآن بين كثير من الدول العربية، وتدخلات إقليمية ودولية بمساندة عربية فى معظم الأزمات العربية.

ولعل هذا ما دعا الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى القول بأن هذه القمة العربية تأتى فى وقت يواجه العالم العربى تحديات مصيرية فى ظل تغيرات إقليمية وعالمية مستمرة، أبرزها التجاذبات والتنافس بين أبرز القوى الدولية، وتحديات اقتصادية وأمنية كبيرة، كما أنها تأتى مع حاجة الدول العربية الماسة لاستعادة زخم العمل العربى المشترك كإطار لمواجهة التحديات المختلفة،

وأنه فى ظل التحضيرات التى تقوم بها المملكة لإنعقاد القمة العربية، نشهد انقسامات عملت ولا تزال على تغيرات فى النظام الإقليمى العربي، وعليه فإن نجاح قمة عمّان، بمنزلة إنقاذ للعرب من التشرذم الخطير الذى يتعرضون له، سواء فيما يتعلق بالأوضاع القائمة فى سوريا وتحكم قوتين إقليميتين بالمشهد فيها «إيران، وتركيا» وكذلك روسيا والولايات المتحدة الأمريكة، حيث شهدنا اخيرا خلال محادثات الأستانة غياب للدور العربي، مما يشير إلى ضعف الوجود السياسى لدولنا العربية وتراجع فى قوتها وتأثيرها.

فماذا ستفعل القمة العربية المقبلة بعيدا عن تبادل الأحضان والقبلات أمام عدسات التصوير ؟!

> كلمات:

علاجنا غالبا ما يكمن فينا

وليم شكسبير
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف