د . أيات الحداد
بالعدل تتحقق حقوق الإنسان
كل عضو بجسم الإنسان له وظيفة ويدور في حركة منتظمة وأي خطأ أو خلل في حركة الجسم يترتب عليه خلل في جميع أجزاء جسم الإنسان! والمجتمع الإنساني كجسم الإنسان إذا لم تراع فيه أصول العدالة فبالتأكيد سيمرض! فبالعدل ينتظم المجتمع الإنساني وبالعدل قامت السماوات والأرض. فإذا تمعنا في كل الدولة المتقدمة نجد أنها تقيم العدل ما بين المواطنين حتي ولو كان الإسلام غير متفشي فيها. ولو تمعنا أكثر لوجدنا أنهم يطبقون الإسلام في أسمي صوره أي دين المعاملة وليس دين المظاهر. فالدولة التي تقيم العدل تدوم وتستمر ولو كانت كافرة! وتضيع إذا كانت ظالمة ولو كانت علي الإسلام! وفي ذلك يقول الإمام ابن تيمية: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة! ولا يقيم الظالمة ولو كانت مسلمة!". وقد شهد تاريخ الإسلام أسمي أنواع العدل. كما حذرنا الرسول عليه الصلاة والسلام مما يحيق بالأمة إذا هي لم تنصف الضعيف من القوي: "لا تفلح أمة لا يؤخذ للضعيف حقه من القوي"!. وقد بين الله في محكم آياته كيف يهلك القوم إذا ظلموا. فقال تعالي: "ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا". فما من أمة ظلمت الا وأهلكها الله. فسبب تقدم دولة عن أخري ليس كما يعتقد البعض التقدم في الاقتصاد ولا التجارة ولا غيرها من الأمور الظاهرية فهذا التقدم نتيجة لاتباع أحكام الله بدون قصد فبداية إقامة العدل والمساواة بين الناس. ونصرة المظلوم وجلب حق المظلوم من الظالم. كما تحدث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عن هلاك الأمة إذا ظلمت فقال: "فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه. وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد لها يدها". كما قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه حينما تولي الخلافة: "الضعيف فيكم قوي عندي حتي آخذ الحق له. والقوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه". فالإسلام أول من حث علي إقامة العدل والمساوة بين الناس أمام القانون قبل ان يتحدث عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما كتب الجراح بن عبدالله إلي عمر بن عبدالعزيز: إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم. وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط. فإن رأي أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك. فكتب إليه عمر: أما بعد. فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خرسان قد ساءت رعيتهم. وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط. فقد كذبت. بل يصلحهم العدل والحق. فأبسط ذلك فيهم. والسلام. فالعدل كان أيضاً في العقاب والواقعة المعلومة للجميع: أتي رجل من أهل مصر إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين عائد بك من الظلم قال: عذت بمعاذ. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته. فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلي عمرو يأمره بالقدوم عليه. ويقدم بابنه معه. فقدم. فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط. ويقول عمر: اضرب ابن الأليمين. قال أنس: فضرب. فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه. فما أقلع عنه حتي تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال عمر للمصري: ضع علي صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني. وقد اشتفيت منه فقال عمر لعمرو: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟! هكذا كان العدل! حكمت فعدلت فآمنت فنمت رسيخ البال يا عمر الفاروق.