زياد السحار
المستشار المزيف.. والفراغ السياسي
رحم الله الأستاذ هيكل.. قد نختلف أو نتفق معه.. ولكننا جميعاً بعد مرور عام علي رحيله. نفتقده كثيراً في حياتنا العامة السياسية والإعلامية لأنه كان يثير جدلاً يدعو إلي التفكير والتأمل في كل أمورنا وتطورات أوضاعنا علي أمل أن نجد مخارج وحلولاً لمشكلاتنا تقودنا إلي أحوال أفضل..
أذكر له في حواراته الأخيرة مع الإعلامية لميس الحديدي ملاحظته ان تطورات الأوضاع في كافة مجالات حياتنا العامة تفتقد البعد السياسي الحاكم الذي يمكن أن يحل مشكلات ويجنب البلاد آثاراً جانبية سيئة يمكن أن تتمخض عن معالجات فنية ونظرية قاصرة لا تري الصورة كاملة. وهو ما يتسبب في تداعيات ونتائج غير مرضية غير معمول حسابها..
وقد شبه الأستاذ هيكل هذا الوضع العام الذي يفتقد السياسية بحوض سباحة مجرف ليس به ماء.. والمثير للأمر انه كان ينتقد هذا الفراغ السياسي الذي استمر منذ زمن مبارك حتي الآن ويعزي لهذا السبب ما أدي لنتائج كان يمكن أن تجنب نظامه الثورة عليه. وكان يمكن أن يكون لها تداعيات أخطر علي مصر.
والأمر الذي يدعو للجدل والتفكير الذي نحتاجه الآن مع غياب الأستاذ في ميديا يسيطر عليها الآن إعلاميون مندفعون ومغرضون وأحياناً فنانون ولاعبون كرة سابقون يتصدون لتقديم برامج يتحدثون أحياناً عن أخطر مشكلاتنا العامة والسياسية بدءاً من سد النهضة ومروراً باتفاقية تيران وصنافير ومواجهة الفكر المتطرف وبث الفتنة والشائعات وحتي قرار تعويم الجنيه والإصلاح الاقتصادي الذي يتعثر مردوده وعوائده.
ما يدعو للجدل ان الأستاذ هيكل كان يتحدث عن غياب السياسة في زمن مبارك رغم أنه كان معه فطاحل وخبراء سياسيون من نوعية أسامة الباز ورفعت المحجوب وكمال الشاذلي وفتحي سرور وصفوت الشريف وغيرهم.. صحيح إن هؤلاء رحل منهم من رحل وتراجع بعضهم في فترة ظهور جمال مبارك.. ولكن حتي في لجنة سياسات الحزب الوطني لا نغفل قدراً من السياسة وبعضاً من السياسيين والخبراء أظن اننا نحاول استدعاء البعض منهم علي خجل.. كما حدث في التعديل الوزاري الأخير مثل الدكتور علي مصيلحي وزير التضامن الأسبق في عهد مبارك علي أمل أن يعمل خبراته السياسية في السيطرة علي انفلات الأسعار وحيرة الناس في الأسواق نتيجة تحرير سعر الصرف وجشع التجار الذين ترك لهم الحبل علي الغارب.
بصراحة تذكرت هذا الغياب السياسي مع الواقعة الغريبة المثيرة وهذا الشخص المدعي الذي انتحل صفة مستشار رئيس الجمهورية الذي قرر من نفسه أن يكون مندوباً للرئيس في جنازة فقيه الإرهاب الدكتور عمر عبدالرحمن الذي ألقت به الينا فجأة الولايات المتحدة بعد طول محاكمات وغياب و.سجن حوالي ربع قرن لكي يدفن ويا للعجب وفقاً لوصيته في مصر..
والأكثر غرابة أن يكون لمثل هذا الفقيه المختلف عليه أتباع وأنصار في مصر يحتشدون لاستقبال جثمانه في قرية البضائع بمطار القاهرة ويخرج موكب يضم مائة سيارة علي خط سير محدد حتي مسقط رأسه في مركز الجمالية بمحافظة الدقهلية.
ويسعد هؤلاء الأنصار والأتباع والمريدون بمندوب الرئاسة المزيف الذي حمل لهم رسائل ود ومشاطرة من رأس الدولة في فقيدهم الكبير الذي قد يكون ضريحه أشبه بالأضرحة المعروفة لأهل السنة والشيعة بل والزعماء والسياسيين الذين يحج اليها الألوف من البشر في ذكري ميلادهم ورحيلهم سنوياً بل وأحياناً يومياً.
والحقيقة إنه في مثل هذه الواقعة المثيرة وغيرها أشفق علي الرئيس الذي أخذ علي عاتقه وحده مسئولية انقاذ البلاد من تداعيات ثورة يناير وسيطرة الجماعات المتأسلمة والمتطرفة علي السلطة نتيجة غياب الساسة والسياسيين الذين تحدث عنهم الأستاذ هيكل حتي صرنا الآن "نشحت" وزيراً سياسياً لله بعد ما غابت واختلفت وتشرذمت الأحزاب منذ زمن مصطفي كامل مراد مروراً بفرقاء الوفد الجديد وحتي أحرار ساويرس الذي فصله شركاؤه مؤخراً!
بالله عليكم أين نواب الشعب المنتخبون الذين سمحوا لمدع أو نصاب لأن يدعي منصباً سياسياً ويزعم انه يسد فراغاً سياسياً ويمارس دوراً اجتماعياً وسط أتباع ومريدين كثر في قري ومراكز ومحافظات مصر يستدعون بعضهم البعض من كل صوب وحدب لكي يشاركوا في جنازة فقيه الإرهاب..
والأسوأ في الأمر أنه بعد ثورة 30 يونيه وكل المصائب التي حدثت لنا قبلها نتيجة حكم الإخوان وسيطرة أدعياء الدين علي المجالس النيابية والإعلام. مازال هناك أنصار ومريدون وخلايا نائمة لا أدري هل من الأفضل أن نتصدي لها أ منياً أم نقوم بمحاولة ترويضها ودمجها في العمل العام طالما مازال التعليم لدينا ومثله الثقافة والإعلام وقبلهما دور رجال الدين والأزهر والأوقاف الذي يبدو قاصراً وأحياناً غائباً في توعية الناس ونشر الفهم الصحيح للدين وإشاعة ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر مما يحول دون تنامي الفكر المتطرف الذي يقود إلي الإرهاب ويساعد علي تنامي جماعات تتضخم بل وتتوحش مثلما حدث في شمال سيناء مؤخراً. الأمر الذي زاد العبء علي المؤسسة العسكرية والأمنية في مواجهة خطره الذي كان يمكن تحاشيه منذ البداية لو أدي كل دوره في المجتمع ليس بالنسبة لهذه المشكلة فقط.. بل كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه الوطن.
باختصار.. لقد جفت منابع العمل السياسي في ظل دور قاصر للمجالس الشعبية والنيابية والأحزاب الأمر الذي فتح الباب للأدعياء والنصابين والمنتفعين وأصحاب المصالح لممارسات تضر بمصالح الوطن والمواطنين.
ما أحوجنا في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلدنا لعودة الخبراء والمفكرين والساسة من أجل ضبط إيقاع المجتمع ومواجهة تحديات الأمة.