د. محمود خليل
المواجهة بـ«البطاطين والمراتب»!
تابعت الطريقة التى تعاملت بها الحكومة مع أزمة الأسر القبطية النازحة من سيناء، واعترانى قدر لا بأس به من الدهشة، فكل الخطوات التى اتّخذت فى هذا السياق تصب فى خانة «التسليم بالأمر الواقع»، ومحاولة ترتيب الأوضاع الجديدة لهذه الأسر فى الأماكن التى نزحوا إليها. وزيرة التضامن وفرت بطاطين ومراتب واحتياجات معيشية أخرى للنازحين، ووزير الصحة أعلن توفير كروت علاج مجانى، و26 عيادة متنقلة فى جميع التخصصات للنازحين من سيناء، وفى الإذاعة استمعت إلى حوار عبر «البرنامج العام» أجرى مع رئيس جامعة قناة السويس أكد فيه أن الجامعة ترحب بأبناء النازحين فى كلياتها. ومع تقديرى لهذه الخطوات، فإنها تُعبّر عن أسلوب خفيف فى التعامل مع قضية ثقيلة وخطيرة للغاية.
نهج التسليم بالأمر الواقع فى التعامل مع قضية النازحين، يُذكرنا بمشاهد اضمحلت وزوت فى ذاكرة من عاصروا الأحداث التى شهدتها مصر بعد نكسة 1967، حين تم تهجير سكان مدن القناة إلى عدد من المحافظات الأخرى، كان من بينها القاهرة، بعد عمليات القصف المتواصل من جانب الصهاينة لهذه المدن، ونجاحهم فى احتلال شبه جزيرة سيناء. فقد تم التعامل مع المهجّرين بالطريقة ذاتها التى تتعامل بها الحكومة اليوم مع النازحين من سيناء، ومن يقلب صفحات الجرائد خلال هذه الفترة، سيجد أخباراً شبيهة بما نقرأه ونسمعه الآن حول تخفيف آلام المهجرين. تابعت أيضاً عبر مجموعة من الشهادات التى نُشرت على مواقع إعلامية، وكذا من خلال عدد من البرامج التليفزيونية حالة من التسليم من جانب الأسر النازحة من سيناء، والتمست لهم العذر كل العذر. فمن الطبيعى للغاية أن يفر الإنسان من أرض لا يجد فيها سوى الخوف والفزع والتهديد لحياته وحياة عائلته. ماذا يكون أمامه سوى البحث عن أرض أخرى يحيا فيها فى أمان، وفى النهاية هو يفر من أرض مصرية إلى أرض مصرية أخرى. موقف الأسر النازحة مفهوم، أما موقف الحكومة فغير مفهوم بالمرة. فكيف يمكن أن تؤدى الحكومة أو السلطة بمنطق «التسليم»؟!.
هل يكون السبب فى العمل بهذا المنطق وجود رغبة فى تفريغ سيناء من أهلها، على الأقل فى المناطق التى تشهد معارك قتالية مع الإرهابيين، حتى تستطيع قوات مكافحة الإرهاب التعامل المباشر مع أهدافها؟. ربما كان ذلك كذلك. لكن علينا ألا ننسى أن الجهات الأمنية سبق واتخذت قراراً بتفريغ المنطقة التى تمتد لمسافة تقدر بـ500 متر من حدودنا مع قطاع غزة من السكان، لتحويلها إلى منطقة عازلة. تهجير الأهالى تم فى هذا السياق بقرار من الدولة، وكان مرده سبباً أمنياً يتعلق بالمواجهة مع الإرهاب، لكن الأمر يختلف أشد الاختلاف حين ننظر إلى مسألة نزوح الأسر القبطية من العريش، فهو لم يتم بإيعاز من الحكومة أو بتوجيه منها، بل تم بإرادة ذاتية، يغذيها الخوف، والضغوط التى يمارسها الإرهابيون عليهم. نحن أمام مشهد جديد كل الجدة، خطير كل الخطر، يستوجب من السلطة التحرك ضده بأسرع ما يمكن، على أن يكون أساس تحركها، إعادة هذه الأسر إلى ديارها وفرض هيبة الدولة، بعيداً عن المواجهة بأسلوب منح «البطاطين والمراتب»!.