محمد جبريل
ع البحري .. الحضري.. والأسطورة
الأجيال القديمة من محبي السينما العالمية. يذكرون الممثلة الفاتنة جريتا جاربو.. اعجبوا ــ كما يروي المؤرخون السينمائيون ــ بأدائها الرائع لشخصية مرجريت في رواية ألكسندر دوما "غادة الكاميليا". فاجأت جريتا جاربو محبي فنها باعتزالها في قمة العطاء. فضلت أن تختفي عن الأنظار. لا لقاءات. ولا حوارات ولا أحد يعرف أين تقيم. وأفلحت في الفرار من عدسات المصورين. ظلت في أذهان من عاشوا عصر جريتا جاربو. ومن قرءأوا عنه. حتي رحلت عن عالمنا.
وكانت ليلي مراد مطربة صبانا وشبابنا. أحببناها في أغنياتها وأفلامها الاستعراضية.. اختزلت عمرها الفني فاعتزلت في أوائل الأربعينيات من عمرها حتي يظل الجمال الرقيق والصوت الناعم في وجدان الملايين الذين أحبوها. لم تفعل مثل مطربات من جيلها. تملكهن الإصرار علي المواصلة. وأسرفن في عمليات التجميل حتي فقدت الملامح جمالها. وظلت ليلي مراد ــ حتي ودعت الحياة ــ هي المطربة المتألقة التي احتلت أغنياتها القلوب.
وبعد مباريات كأس العالم سنة 2006 فاجأ اللاعب الجزائري الأصل. الفرنسي الجنسية نورالدين زيدان محبيه باعتزال اللعبة قبل أن يجاوز الثانية والثلاثين. ورد علي الأسئلة التي أخذت عليه قرار الاعتزال في عز تألقه. بأنه اختار اللحظة التي يجب أن يغادر فيها الملاعب. لما تبين أن قدمه لا تلبي أوامر ذهنه. ورفض زيدان كل المناشدات بأن يواصل قيادة فريقه. ولأنه يحاول إجادة التفوق. فقد كان ذلك ما صنعه كمدرب في ريال مدريد. أول أندية الدوري الإسباني.
وأذكر من لاعبي النادي الإسماعيلي في زمن تألقه. لاعباً اسمه سيد حامد. أجاد في خط الوسط. ثم أعلن اعتزاله. قال لمن توقعوا له مستقبلاً واعداً: هذا هو الوقت المناسب للاعتزال. أثبت جدارتي كلاعب كرة. لكن المدرب الأجنبي صارحني بأن مستواي ربما يظل علي ما هو عليه. لكنه لم يتقدم. لذلك فضلت أن أترك الملاعب وفي الأذهان صورة جيدة لي.
الأمثلة تتعدد في المجالات التي تطلب الصحة والجمال. وسهولة الأداء. أن يعرف النجم متي يختار لحظة الابتعاد. متي يتجه إلي مجالات أخري قد تكون قريبة من المجال الذي حقق فيه نجوميته. أو يكتفي بالصورة الجميلة التي ودع فيها محبيه.
لأن إيليا كازان لم يكن يحتاج ــ في عمله كمخرج ــ إلي الوسامة. ولا إلي العافية البدنية ــ لا الذهنية ــ فقد ظلت مدرسته في الإلقاء السينمائي والمسرحي قائمة إلي نهايات حياته.
اختيار موعد الرحيل هو القرار الذي يجب أن يتخذه "النجم" في الوقت المناسب. وقبل مباريات كأس إفريقيا التي يسرت الظروف للنجم عصام الحضري أن يحرس مرمي فريقنا القومي. كان المعلقون يبدون ملاحظاتهم علي أداء الحضري. وأن جسده لم يعد يطاوعه. وأن الكرة تضيع من يديه. وملاحظات أخري لعل النجم الكبير تابعها عند مشاهدته إعادة مبارياته.
تحول عصام الحضري إلي أسطورة. بعد أن صد ضربتي جزاء. فتأهل فريقنا القومي للدور النهائي. وكان هذا هو الوقت الأنسب ليعود إلي الملاعب. مدرباً أو إدارياً. تظل الأسطورة صورته في الأذهان. فلا تلاحقه الملاحظات. ولا يلجأ إلي صفع زميله الاحتياطي في حراسة المرمي!