عبد الفتاح الجبالى
الحد الأقصى للأجور وكيفية تفعيله
يناقش مجلس النواب فى هذه الآونة بعض الأمور المرتبطة بهيكل الأجور الحكومية وكيفية إصلاحه،
وذلك بعد صدور العديد من الفتاوى الخاصة بعدم اخضاع بعض الفئات للقانون رقم 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى للدخول، والقواعد التنفيذية لأحكامه الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1265 لسنة 2014.
حيث أصدرت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فتواها بعدم خضوع العاملين بشركات قطاع الاعمال العام، وكذلك رؤساء وأعضاء مجالس ادارته لهذا القانون، استنادا الى المادة 27 من الدستور والتى نصت صراحة على ان الحد الأقصى للدخول ينطبق على العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة، وهى أجهزة السلطة التنفيذية ولا يجوز امتداده لغيرها، من هنا جاءت فتاوى سابقة تستبعد الشركة المصرية للاتصالات والمقاولون العرب وبعض البنوك وغيرهما، هذا بينما افتت بخضوع السكك الحديدية لانها تدخل فى عموم أجهزة الدولة التى يعد العاملون بها من المخاطبين بالقانون.
ومع تسليمنا الكامل بضرورة وضع حد أقصى لدخول العاملين بجميع أجهزة الدولة، الا اننا نلحظ ان هناك مغالاة شديدة فيما يمكن ان توفره هذه المسألة للموازنة العامة، خاصة ان معظم الجهات السابقة لاتدرج فى الموازنة العامة للدولة والتى تقتصر على الجهاز الإدارى والهيئات الخدمية والمحليات والتى تحصل على أجور بلغت فى الموازنة الحالية نحو 228.1 مليار جنيه منها أجور أساسية 60.6 مليار وبدلات نوعية 26.6 مليار ومزايا نقدية 13.1 مليار عبارة عن العلاوات الخاصة والاجتماعية والمنحة الشهرية تضاف المزايا التأمينية بنحو 22 مليارا ويبقى فى النهاية بند المكافآت الذى يصل الى 77.8 مليار وهو مايراه البعض مغالى فيه كثيرا وهذا غير صحيح، لانه على عكس مايفهم منه عبارة عن أمور ثابتة وهى حافز الإثابة الخاص بزيادة الحد الأدنى للأجور ومكافآت أعضاء هيئة التدريس والامتحانات وغيرها من الأمور التى تقررت لرفع أجور العاملين فى قطاعات معينة مثل التعليم والصحة.وكلها أمور توضح لنا بجلاء شديد ان الوفر الذى يمكن ان يتحقق ضئيل للغاية.
وعلى الرغم مما سبق فاننا نرى ضرورة تفعيل القانون المشار اليه آنفا والذى نص على أنه لايجوز أن يزيد على خمسة وثلاثين مثل الحد الأدنى وبما لا يتجاوز اثنين وأربعين ألف جنيه شهريا، صافى الذى يتقاضاه من أموال الدولة أو من أموال الهيئات أو الشركات التابعة لها أو الشركات التى تساهم هذه الجهات فى رأسمالها.
وهنا تجدر الإشارة إلى عِدّة ملاحظات أساسية، أولاها أن القانون يتحدث عن العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة المختلفة، الأمر الذى يفهم منه أنه لا ينطبق على غير العاملين بأجر، مثل أعضاء مجالس الإدارة من ذوى الخبرة، وهم كثيرون. وبذلك يكون قد أغفل تماما الهدف الأساسى من وضع الحد الأقصى وهو الحفاظ على المال العام. والأهم من ذلك أنه يُعطى رسالة سلبية بأن الهدف هو معاقبة الموظف العام مقارنة بنظيره الذى يعمل خارج الجهاز الإدارى (وللأسف فان هذا النص جاء مطابقا لما جاء به الدستور، الامر الذى يضعنا فى مأزق حقيقى امام هذه المشكلة).من هذا المُنطلق، فإننا نقترح أن يتم تعديل القانون لينص على أنه لا يجوز لأى شخص سواء كان عاملا بأجر أو دون أجر، وسواء كان يعمل داخل أجهزة الدولة أو خارجها بحيث تصبح العبرة هنا هى المال العام وليس الموظف العام.
ومن الجديد بالذكر ان القواعد التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء عن الجهات التى يطبق عليها القانون المذكور قد جاءت على سبيل الحصر وليس المثال، الأمر الذى يتطلب التعديل إما بإضافة كل الجهات التى ينطبق عليها، أو النص على سبيل المثال وليس الحصر. وعلى الجانب الآخر لم توضح القواعد التنفيذية موقف العديد من الجهات ذات الطبيعة الخاصة والوضعية القانونية المختلفة.
يضاف الى ما سبق ان القانون قد استثنى من تعريف الدخل، مصاريف الانتقال، وهى مسألة رغم أهميتها إلا أنها تفتح الباب واسعا للتحايل على القانون. خاصة بعد التعديلات التى أدخلها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1026 لسنة 2013 على لائحة بدلات السفر ومصاريف الانتقال. وقد حاول القرار الوزارى رقم 9 لسنة 2014 والصادر عن رئيس مجلس الوزراء وضع حدود لهذه المصاريف بخمسة آلاف جنيه شهريا وبحد أقصى اثنتا عشرة جلسة سنويا، إلا أننا نرى ضرورة التحديد القاطع لهذه المسالة.
هذا فضلا عن ان القانون المذكور لم يتحدث عن مكافأة تحقيق الأهداف أو الأرباح، بما يعنى أنها مستثناة من هذه المسألة، وهو ما يضرب بالقانون عرض الحائط، حيث ستعد هذه هى الوسيلة المثلى لتحقيق أى زيادة عن الحد الأقصى. ومن هنا، فإننا نقترح إما أن يتم وضع ضوابط محددة لهذه العملية تطبق على الجميع أو يتم وضع سقف محدد لايمكن تجاوزه.
كما لم توضح القواعد التنفيذية أسس المحاسبة التى سيتم التعامل بها. فهل ستتم المحاسبة على الأساس النقدي، أى حين يحصل الشخص على المبلغ، أم على أساس استحقاق، أى عندما يتقرر له مبلغ محدد. فعلى سبيل المثال، إذا قررت الجمعية العمومية صرف مكافأة فى شهر نوفمبر من العام، وقامت الجهة بالصرف فى شهر يناير من العام الذى يليه، فعن أى سنة مالية سيتم التعامل؟ هل السنة التى تقررت فيها المكافأة أم السنة التى صرفت فيها؟ ومن المشكلات المهمة أيضا ما نصت عليه المادة الرابعة من القواعد التنفيذية والتى ألزمت العامل برد المبلغ الزائد إلى الوحدة الحسابية للجهة التابع لها خلال ثلاثين يوما، والسؤال عن الأفراد والأشخاص المستقلين من ذوى الخبرة، ماذا يفعلون؟ وإلى أى جهة يتم الرد؟
تنص القواعد التنفيذية على قيام الجهة الإدارية باستقطاع قيمة الزيادة من أى مبالغ مستحقة للموظف فى موعد غايته شهر ديسمبر من العام التالى لعام الصرف، ولكنها لم تحدد كيف يمكن الحصول على باقى المستحقات إذا كانت مستحقاته خلال السنة، لاتفى بالمبالغ المطلوبة.
نص القانون على معاقبة مراقبى وزارة المالية والجهاز المركزى للمحاسبات، عند عدم الإبلاغ، ولكنه لم يتحدث اطلاقا عن الموقف من الشخص الذى حصل على المبالغ الزائدة ويرفض ردها، مع العلم بأن قرار رئيس مجلس الوزراء والذى وضع القواعد التنفيذية للمرسوم السابق، كان قد وضع عقوبات محددة، وهى مسألة ضرورية ومهمة يجب إعادتها من جديد.
هذه بعض الملاحظات الأساسية التى يمكن بها تفعيل القانون ووضعه موضع التنفيذ الصحيح بما يضمن تحقيق الأهداف المنوطة به.