محمود سلطان
نحتاج إلى "رئيس".. وليس إلى "داعية" في مسجد!
ما هو "المشروع الإسلامي"؟!. طُرح هذا السؤال بإلحاح عقب وصول الإسلاميين إلى السلطة في أكثر من بلد عربي وإسلامي؟! قبل ذلك، كان ثمة اتهامات تقول إن الإسلاميين لا يملكون "رؤية" أو "مشروعا" لإدارة الدولة، فيما أكد الإسلاميون بأن بحوزتهم ما يساعد على إقالة البلاد من عثراتها وأزماتها على تنوعها واتساعها، غير أن "الاتهامات" و"التأكيدات" ظلت معلقة، إذ لم يكن ـ حتى ذلك الحين ـ الإسلاميون في السلطة، لاختبار قدراتهم السياسية ومهاراتهم في الإدارة والحكم. بعد الربيع العربي، تبين بأن الإسلاميين يعتمدون على "المشروع الأخلاقي".. وليس على رؤية سياسية لمستقبل واعد للبلاد، بمعنى أن التركيز كان على ما توقعه الإسلاميون، من انطباعات لدى الرأي العام، وما استقر في الضمير الديني الشعبي، بأن "المتدين" ورع بطبيعته، وهي الانطباعات المؤسسة للشعبية، في مجتمع يجل رجال الدين، وينزلهم منزلة قد تبلغ منزلة التقديس والعصمة. التجربة الأخيرة (2012 – 2014)، أظهرت أن رؤية التيار الإسلامي للإصلاح، كانت بسيطة وغير مدركة للمسافة الفاصلة بين "واعظ المسجد" و"رجل الدولة".. فإذا قيل بأن "الحاكم الإسلامي" فشل في إنجاز أي مشروع يفي باحتياجات المواطن الأساسية، يأتيك الرد: ولكنه أول رئيس أو حاكم يقيم الصلاة في قصور السلطة، وأنه صوام قوام!! وعبثا تحاول إقناع "العاطفيين" بأن المطلوب "رئيس دولة" وليس "مقيم شعائر" في القصر الرئاسي. أزمة الوعي في هذا الإطار تتسع على النحو الذي يدفع نحو تضليل الوعي ذاته "الضلال البعيد".. في مسألة بالغة الخطورة، تتعلق بحكم بلد ومصالح الملايين من المسلمين وغيرهم .. لأن القاعدة التي تستقر تلقائيا داخل الضمير الديني المسيس أو الموجه، يفترض بسذاجة بسيطة، بأن صفة "الصلاح" في الحاكم، تكفي وحدها بمكافحة الفساد، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وهنا يختلط الوعي مجددا بالفارق بين "الواعظ" و"الرئيس".. لأن الأول ليس لديه أدوات إلا "المنبر" ولا يسعه إلا "الوعظ" أي مكافحة الفساد بـ"الكلام".. وهنا لا يحاسب حال صد الناس عنه وفشلت دعوته.. ثم ليس ثمة مسؤولية قانونية أو دستورية ملزمه له أمام الرأي العام وأمام المؤسسات الرقابية المنتخبة، لأن شرعيته تأتي من "التأهيل العلمي" وليس بـ"التفويض الشعبي".. والوضع هنا بالنسبة لرئيس الدولة يختلف تماما.. فقد يكون فعلا الأخير "ورعا" و"صالحا" وقد يكون كما يقول الإسلاميون بأنه أول من رفع الآذان داخل قصور السلطة.. ولكن.. ما عساه يفعل الشعب، حال اكتشف بأن هذا الرئيس الصالح عاجز عن الإصلاح ومكافحة الفساد، وغير قادر على احكام قبضته على أدوات الدولة التي بيدها التصدي لهذه المهمة الصعبة؟! لقد أظهرت خبرة العامين الأخيرين، أهمية مراجعة العلاقة بين "الأخلاق والسياسية" لأنها علاقة ملتبسة و"مشوشة" على العقل، فيما تعتبر أبرز مكونات الوعي الإسلامي الذي يخلط بين "الداعية" و"رجل الدولة".. على النحو الذي يكفل للأخير عصمة من الحساب وتوفر له مظلة آمنة تغفر له ذنوبه وما قد يقترفه من "كبائر سياسية".