أخطر الأمور عندما نقسم مشكلات الوطن العربي. نفتتها. نحصر كل مشكلة في حيز محدود. باعتبارها قضية تخص أبناء القطر الذي يعاني الصراعات والمعارك.
حقيقة الأمر ان الخريطة واحدة. تشمل الوطن العربي. التدخل الداعشي في سوريا علي صلة وثيقة بالتدخل الإرهابي في العراق. من هنا - ربما - طالب العبادي جنوده أن يلاحقوا إرهابيي داعش في الأرض السورية. ما يحدث في ليبيا له صلة بتطورات الأوضاع في السودان. معارك الحوثيين ضد الحكم المعترف به دولياً في اليمن. يحصل الحوثيون من إيران علي الدعم نفسه الذي تلقاه فصائل مقاتلة في سوريا والعراق. العمليات الانتحارية في تونس والصومال والعديد من المدن السعودية. محاولات اختلاق صراع طائفي في مصر يجد الصدي في الاختلافات بين الشيعة والسنة والأكراد في العراق وسوريا. والعرب والأمازيغ في الجزائر. والعرب والأفارقة في موريتانيا. إلخ. بالإضافة إلي الكيان البشع الذي نسب نفسه إلي الإسلام. وفرض نفسه - في سهولة غريبة - علي حياتنا العربية. قتل. ودمر. وقوض الملامح الحضارية والتاريخية. أو سرقها. وأضعف القدرات العسكرية. واستولي علي الثروات. صنع ذلك كله امتداداً يعيدنا إلي أيام المنافرة في الجاهلية. فنحن مشغولون بالشعارات والعبارات البليغة والتشدقات وتبادل الاتهامات. بينما العدو يضع - وينفذ - مخططاته التي تستهدف تقويض الوطن العربي.
الخريطة حاضرة. حافلة بالتقسيمات وبؤر التوتر والنزاعات الطائفية والمذهبية التي تتحول إلي حرب أهلية. ضحاياها - في كل الأحوال - مواطنو هذا القطر أو ذاك. والنتيجة الكلية لتوالي المعارك هي استنزاف موارد الوطن العربي. البشرية والعسكرية والعلمية والاقتصادية. بغير استثناء لأحد أقطاره. من وضع المخطط. وبدأ في تنفيذه. تعامل مع الكل كأجزاء تصنع المشهد الدامي.
أخطر الأمور أن العرب هم الأدوات لتصفية وجودهم في هذا العالم. ينفقون الثروات. ويستنزفون قواهم البشرية والسلاح والقدرات الاقتصادية والقليل المتاح من التطور العلمي والتكنولوجي. حتي ينضب البترول. ويبدأ البحث عن أول ناقة!
أشير إلي أن الرجل الأوروبي الذي تروي حكايات التاريخ عن زعمه التوفيق بين قبائل الهنود الحمر. لكنه عمق من الخلافات التي تحولت إلي معارك بين القبائل. جني ثمارها الأوروبيون حين صفي الهنود الأحمر أنفسهم. وتحولوا إلي استعراض كرنفالي في مقدمة احتفال أعياد "الاستقلال". وإلي شخصيات همجية في أفلام هوليود.
ثمة - علي سبيل المثال - تريجفي لي ورالف بانش والعزيز هنري وتوني بلير ودي ميستورا وغيرهم ممن دفعوا شعار التوفيق. أو المصالحة. بينما الهدف تعميق الخلافات. ان لم تكن قائمة فهم يخلقونها.
لو أن القيادات العربية طبقت الحد الأدني من التكامل الايجابي الخلاق. فستتأخر أولويات العداء للصهيونية في مقابل الحفاظ علي الأنظمة. يصبح التكامل والتعاون والجهد المشترك والأنظمة الديمقراطية سمة الحياة السياسية العربية في المستقبل. وليس رفض التطلع إلي الأفق المحمل بالتوقعات الواعدة. وقصر النظر علي المصالح الضيقة.