قلنا كثيراً.. وقال من هم أفضل منا.. إن الفن يقوم الآن وخلال السنوات الأخيرة بدور خطير لتدمير القيم المصرية الأصيلة.. ينشر العنف وثقافة البلطجة ويبرر الرذيلة وانتهاك القانون ويحتقر الاخلاق ويستهين بالعلم والعلماء.. وذلك فيما يبثه من مضامين سلبية في المسلسلات والأفلام بدعوي الواقعية أو بدعوي الكوميديا.
وإذا كنا فعلا في حاجة ماسة إلي تطوير الخطاب الديني لإصلاح حال المجتمع الذي انقلب رأساً علي عقب فإننا في حاجة أشد إلي تطوير الخطاب الإعلامي والثقافي وضبط الرسائل التي يبثها الفن بأشكاله المختلفة دون حجر علي حرية الابداع.. حتي لا تكون هذه الرسائل متناقضة أو متنافرة مع الخطاب السياسي الذي يتحدث عن بناء أجيال جديدة قادرة علي قيادة البلاد في المستقبل.
يجب ألا ننكر أن الفن مكون أساسي من مكونات البناء العقلي والروحي للإنسان.. لا يختلف كثيراً عن دور المسجد والكنيسة والمدرسة والبيت إن لم يتفوق عليها.. والفنانون والفنانات هم نجوم المجمع بلا منازع مع نجوم كرة القدم وهم الضيوف الدائمون علي البرامج الاعلامية وصورهم تشغل الحيز الأكبر فيما تنشره الصحف.. بحيث صاروا رموزا للشباب يقلدونهم في ملبسهم وفي كلامهم.. لذلك يصبح من الحكمة أن نحلل مضمون خطاب هؤلاء المبثوث في البرامج والأفلام والمسلسلات لنعرف بالضبط حجم التأثير الذي يحدثونه في الشباب ونوعه.
في هذا الصدد لدي اليوم شهادة مهمة من الفنان محمد صبحي.. وهو واحد من أهلهم.. قالها في ندوة أقيمت الخميس الماضي علي هامش معرض الأهرام الدولي للتعليم.. وهي شهادة صادقة فيما أظن وجديرة بالعناية والتحليل.. ويستحق معرض الأهرام الدولي الشكر أن تنبه لهذه الزاوية المهمة في سياق اهتمامه بالتعليم.. فما أشد ارتباط رسالة الفن بالتعليم.. سلباً وإيجاباً.
يقول الفنان محمد صبحي إن الفن أسهم في انتشار أعمال البلطجة والعنف وعدم احترام المعلم.. وذلك من خلال تقديم نماذج سلبية للمجتمع المصري ونشر البلطجة والعنف بين أفراده وعدم احترام المعلم.. مؤكداً أن الإعلام المصري والفن لا يعليان من شأن وقيمة العمل والتعلم لدي أفراد المجتمع.. وبعض الاعمال الفنية في السنوات الأخيرة ضيعت أجيالا كثيرة "لعله يقصد مدرسة المشاغبين والعيال كبرت وما شابههما في تشويه صورة بعض الفئات.. ومن بينها سكان العشوائيات التي صورت جميع السيدات عاهرات والشباب مدمنين وبلطجية.
أضاف محمد صبحي أن أي وطن يرغب في تنمية وعي مواطنيه عليه أن يهتم بالتعليم الاساسي أولا.. لأنهم نواة المجتمع والبذرة التي علينا أن نحسن رعايتها حتي نحصد مجتمعاً واعياً ومثقفاً ومتعلماً.. وأن الشباب بحاجة إلي نافذة يطلون من خلالها.. سواء من خلال الفن أو الاعلام اللذين يمثلان محورين جوهريين في التعبير عن قضايا الوطن.. إن تطوير التعليم والمناهج لن يأتي بحذف أجزاء منها للتخفيف من علي كاهل الطالب بل بترغيب الطالب في التعلم من أجل العلم وليس من أجل الامتحان والحصول علي درجات فحسب.. نحن لا نملك الخريطة الحقيقية لتطوير التعليم لكننا نعرف بالقطع أن المنظومة التعليمية خاطئة.
واعترف الرجل بأن طبيعة سوق الفن لم تعد صالحة لتقديم أعمال جيدة.. وكذلك سعي بعض شركات الإنتاج للربح السريع وتقديم أعمال مبتذلة وبدون قيمة.
بالتأكيد لا يقف محمد صبحي في المعسكر المعادي للفن.. ولا نحن كذلك.. لكننا معاً نتطلع إلي الفن الحقيقي الهادف.. الذي له رسالة سامية في المجتمع.. تبني ولا تهدم.. تجمع ولا تفرق.. تجتهد في نشر القيم الرفيعة في غير موعظة وتلقين.. وأشهد أن السينما المصرية قدمت في تاريخها أعمالا رائعة خالدة.. ساهمت في تطوير المجتمع وتنمية وعيه.. وكذلك فعل المسرح.. وما شكوانا اليوم إلا رغبة في أن يعود الفن إلي رسالته ليكون عونا لوطننا وليس عونا عليه.
لست من دعاة الحجر علي الحريات.. وإنما من دعاة الحوار من أجل رسالة إعلامية وفنية ودينية وتعليمية إيجابية ومبدعة.. تحقق الأهداف الكبيرة التي نتحدث كثيراً عنها.