الجمهورية
على هاشم
انتخابات الصحفيين.. أيهما الأقدر علي قيادة السفينة؟!
غدًا بإذن الله.. تنطلق انتخابات نقابة الصحفيين لاختيار النقيب و6 من أعضاء المجلس..يأتي "العرس الانتخابي للصحفيين" هذه المرة في ظروف مختلفة.. وربما هي الأصعب في تاريخ صاحبة الجلالة.. فالأوجاع في ازدياد.. والأوضاع ليست علي ما يرام.. أوضاع المهنة وأحوال الصحفيين. فثمة تراجع ملحوظ لقيم مهنية وتقاليد عريقة. عاشت في وجدان الجماعة الصحفية جيلاً بعد جيل.. الأمر الذي جعل الإعلام والصحافة في مرمي الاتهام والارتياب. وثمة ظروف إقتصادية صعبة تمر بها الدولة. وتركت آثارها وتداعيات أيضًا علي صناعة الصحافة. خصوصًا المطبوعة. وعلي صناعة الإعلام ككل.. الأمر الذي يضيف أهمية مضاعفة لانتخابات الصحفيين هذه المرة.. لإنقاذ المهنة وأصحابها من تردي وانهيار لا يجادل أحد في خطورتهما علي مستقبل الصحافة والإعلام في مصر.
وإذا كانت حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام أهم عناوين الإنجاز لأي نظام ولأي رئيس.. فمن الصعب تجاهل الحرية المكفولة بنص الدستور. والتي يتمتع بها إعلامنا علي أرض الواقع حتي لو قال البعض عنها غير ذلك.. لكن إعلامنا للأسف لم يستثمر هذه الإجواء لكسب مزيد من الحرية المسئولة بل تسببت أخطاء البعض في توجيه سهام النقد للإعلام كله. والطعن في مصداقيته وأهدافه.. ما يحتم علي الجماعة الصحفية بنقابتها العريقة والجماعة الإعلامية ونقابتها المزمع تأسيسها وفقًا للقانون الجديد.. أن تسارعا بوضع معايير ومواثيق شرف إعلامية. وتفعيلها ذاتيًا. وإلزام أعضائهما بها. ومحاسبة المتجاوزين منهم ووقف الممارسات السلبية» حماية للمهنة وللمجتمع في آن واحد. وحتي لا نقدم الذريعة تلو الأخري لمن تضيق صدورهم بحرية الإعلام لفرض قيود نحن في غني عنها.
الإعلام والصحافة شأنهما شأن مؤسسات الدولة في حاجة لإعادة رسم الأولويات لتحقيق المصالح العليا للمجتمع. وليس خدمة أصحاب المال والأعمال. ولا الدفاع عن الحكومة بالحق والباطل.. البوصلة الحقيقية الواجب اتباعها هي مصلحة الوطن وأهدافه الكبري.. وأول طريق هذه المصلحة هو الالتزام بمعايير موضوعية للمهنة طواعية. والأخذ علي أيدي الخارجين عليها. ليس بوضع قيود علي الحريات بل بتوسيع نطاق هذه الحريات. وقبلها إلزام أنفسنا بضوابط صارمة تحول دون انتهاك هذه الحريات أو امتهانها.
نحن في حاجة لمراجعة الأخطاء وتنقية الشوائب وهو ما أغفله للأسف مجلس نقابتنا الحالي منشغلاً بأمور أخري غير الارتقاء بالمهنة وتطوير أداء الصحفيين والارتقاء بالمؤسسات الصحفية لإنقاذها من التردي والانهيار والاندثار.. والنتيجة الحاصلة أن حرية الصحافة والإعلام هي أكبر الخاسرين من أخطاء وتجاوزات بعض أبنائها والمنتسين إليها.. والأمثلة كثيرة في الآونة الأخيرة. ومن بينها مثلاً بث أخبار مغلوطة عن وقائع معارك الجيش والشرطة في سيناء. والتسرع في نقل أخبار كاذبة روجتها مواقع أجنبية دون تحري الدقة أو استقاء الأخبار من مصادرها الموثوقة. والاستسلام لغواية التهويل والمبالغة أو السبق الإعلامي وما تبعه من شحن جماهيري زائد. وإغراق في المحلية ومخاطبة الداخل ما جعلنا نخسر كثيرًا في هذه المعركة ونبتعد عن التأثير الإعلامي المطلوب في الرأي العام العالمي.. الأمر ذاته تكرر للأسف في تناول ما أشاعه البعض عن توطين الفلسطينيين في سيناء. حيث جري التعامل إعلاميًا مع هذه الأكاذيب بغير منطق سياسي ولا مسوغ إعلامي.. وهو ما يوجب الاعتراف بأن ثمة أخطاء إعلامية ما كان ينبغي لنا أن نقع فيها خصوصًا في أوقات الأزمات التي تحتاج أول ما تحتاج لجبهة وطنية متماسكة في مواجهة أخطار عابرة للحدود لا تكف عن تهديد وحدتنا وسلامة أراضينا تقف وراءها دول وأجهزة استخبارات لا يرضيها أن تنهض مصر. ولا أن تحافظ علي وحدتها واستقرارها.. والاعتراف بالأخطاء هنا ليس استمراء لجلد الذات ولا للتحريض علي الحريات لكن لاستخلاص الدروس والعبر والتعلم من الأخطاء حتي لا تتجدد مستقبلاً في مواجهة أزمات مماثلة.
نعود إلي انتخابات الصحفيين المقرر إجراؤها غدًا.. فنجد أن أبرز المتنافسين علي مقعد النقيب يحيي قلاش النقيب الحالي. والزميل عبد المحسن سلامة مدير تحرير الأهرام والوكيل السابق لمجلس النقابة.. ولا أدري كيف سمح مجلس النقابة الحالي لنفسه بخوض هذه الانتخابات علي أساس قانون مخالف للدستور. لا يواكب ظروف العصر ومستجداته المتسارعة.. وهل صحيح أن قلاش كان ضمن المعارضين لتغييره؟!
قلاش يبرر ترشحه نقيبًا لدورة جديدة لاستكمال إنجازات يري أنه حققها للجماعة الصحفية. وعلي رأسها تحقيق فائض مالي لميزانية النقابة قدره 40 مليون جنيه.. ولست أدري عن أي إنجازات يتحدث قلاش الذي لم يزد بدل التكنولوجيا في عهده مليمًا واحدًا. ولا حتي معاش الصحفيين الذي تجمد عند الألف جنيه. ولا تحسن مشروع العلاج بل تراجع لأدني مستوياته. ناهيك عن تراجع النقابة عن أداء أهم وظائفها في تطوير الجوانب المهنية ورفع درجة التدريب والجاهزية لدي الصحفيين خصوصًا الشباب وتحقيق التواصل بين الأجيال وتناقل الخبرات. وتزويد الصحفيين بمستجدات فنون الصحافة والإعلام.. وتخلت النقابة أيضًا عن المؤسسات الصحفية ـ قومية وخاصة ـ فلم نلمس لها أثرًا في الأزمات المتلاحقة التي نتج عنها تشريد عشرات الصحفيين الذين أغلقت صحفهم ومواقعهم. بل تركت تلك المؤسسات تعاني دون تقديم رؤية أو مقترحات لإبقائها علي قيد الحياة.. وفي المقابل فتح مجلس النقابة الحالي باب قبول العضوية علي مصراعيه حتي تضخمت الأعداد المنضمة للنقابة دون ضوابط كافية لانتقاء من يستحق فعلاً شرف العضوية بنقابة الرأي والانتساب لصاحبة الجلالة» الأمر الذي أنهك موارد النقابة وحمَّلها أعباء جديدة كانت في غني عنها لو أنها ألزمت الصحف والمواقع بضوابط أكثر مهنية في قبول المنتسبين إليها.. ناهيك عن خوض المجلس الحالي معارك بدت سياسية أكثر منها مهنية أو لنيل مكاسب أكبر للجماعة الصحفية التي يئن أغلب أعضائها تحت خط الفقر. لاسيما بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة. حتي بدت النقابة وكأنها تبحر عكس التيار فلم تحافظ علي تعاطف الرأي العام معها بقدر ما كرَّست للانقسام من حولها.. رغم أن حرية الرأي مكفولة بموجب الدستور الجديد الذي ألغي الحبس في قضايا النشر واستبدلها بالغرامة.
أما المرشح عبد المحسن سلامة فهو يقدم نفسه باعتباره قادرًا علي التعامل مع جميع التيارات والأطياف داخل النقابة والدفاع عن قيم المهنة وكرامة أبنائها. وصون حرية الرأي وحق الاختلاف. ناهيك عما يؤكده من قدرته الفائقة علي التفاوض مع الحكومة لتحقيق مكاسب وحقوق للصحفيين في مواجهة الغلاء والفقر.. مؤكدًا أن ترشحه جاء لإنقاذ صاحبة الجلالة من خطر الانهيار والاندثار الذي يخيم عليها. ولزيادة بدل التكنولوجيا وأجور الصحفيين ومعاشاتهم. وتقنين أوضاع المواقع الألكترونية.
ويري سلامة أن المعركة القادمة هي معركة وجود لمهنة تتعرض للفناء.. فهناك صحف ومواقع تغلق أبوابها وصحفيون يشردون.. حتي الصحف القومية لم تعد هي الأخري بمنأي عن الخطر بعد غلاء مدخلات الإنتاج والطباعة وانحسار التوزيع والإعلانات. وهو ما ينحسب علي الصحف الحزبية والخاصة بصورة أكثر جسامة.. وقد علق سلامة علي مخاطر ترك الأوضاع تسوء بهذا الشكل بقوله: "تبقي نقابة خلصت وندور لها علي اسم تاني".
اتهم سلامة المجلس الحالي بأنه لم يفعل شيئًا علي الإطلاق للارتقاء بالمهنة أو تطوير أدائها. وبعد أن كان لدينا أعلي مركز تدريب لغوي وأحدث أدوات اتصال صار هذا كله ضربًا من الذكريات.. ولم يرتق هذا المجلس بالصحفيين لا مهنيًا ولا إداريًا ولا حافظ علي المؤسسات ولا ناقش أسباب تدهور الصحافة.. وقد وعد سلامة بحل المشكلة الاقتصادية للصحفيين الذين لامس أكثرهم عتبات الفقر بعد أن نقص بدل التكنولوجيا عمليًا نحو 50% من قيمته بعد تعويم الجنيه. ومن ثم فزيادة البدل هنا تبدو مستحقة بل خطوة تأخرت كثيرًا.مبديًا اندهاشه من عدم سعي المجلس الحالي لتغيير قانون النقابة الذي يخالف الدساتير الثلاثة الأخيرة.
وبقدر ما نرجو أن يلتزم سلامة بتنفيذ برنامجه ووعوده.. فإن الأمر متروك للجمعية العمومية للصحفيين لاختيار الأصلح لقيادة سفينة توشك علي الغرق إذا ما تركت هكذا علي حالها دون تغيير جوهري. ولهذه الجمعية وحدها أن تحاسب المرشح الفائز. وتدفعه للالتزام بوعوده أو تسحب منه الثقة.. إذا ما أخل بشروطه وأيا كان النقيب القادم فلا مناص عن إصلاح منظومة الإعلام والصحافة التي تعهد بها جميع رؤساء الوزارة بعد ثورة يناير. كما وعدوا بإعادة هيكلة الصحف القومية وتليفزيون الدولة.. وانتظرنا قرارات شجاعة لإصلاحها دون جدوي حتي دخلت غرفة الإنعاش.. وهو ما يجعلها قضية رئيسية علي أجندة النقيب الفائز. لتحقيق انطلاقة قوية لمؤسسات إعلامية وصحفية مملوكة للدولة تخدم الوطن ولا تفرق بين المواطنين وترعي مقدرات البلاد وتصون أمنها القومي.. وتلك ضرورة أحسب أن الحكومة تعيها جيدًا ولن تفرط فيها تحت أي ظرف.. فخسارة تلك المؤسسات هي خسارة للدولة.. بقي أن يخرج قانون تداول المعلومات إلي النور لحماية الصحفيين من الجرجرة إلي المحاكم وحماية الخصوصيات والمجتمع من الانتهاك الإعلامي.
رجاؤنا أن تكتمل عمومية الصحفيين غدًا لتقرير مصيرهم واختيار من يمثلهم ويحمي مصالحهم.. وتقدم نموذجًا معتادًا في حرية الاختيار وشفافيته في عرس ديمقراطي نباهي الدنيا بنزاهته التي حافظنا عليها حتي في أعتي عصور التزوير.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف