الأهرام
محمد ابو الفضل
الاختبار الحاسم لمكافحة الإرهاب
قضية الإرهاب من أكثر القضايا التى تحتل حيزا كبيرا فى التفكير، لدى الأفراد والدول، لأن تأثيراتها متعددة ومتنوعة ومتشعبة وعابرة للحدود، وإذا كانت طريقة تعامل الأفراد معها تتوقف على تقدير كل شخص وحجم الضرر الواقع عليه، ففى حالة الدول المسألة تبدو مختلفة تماما، لأن الأضرار الناجمة تتجاوز الفواصل التقليدية، وتصل إلى حد الخطورة الجماعية للدول.


كانت مصر فى مقدمة الدول التى استشعرت مبكرا، أن التباين الحاصل فى التقديرات الدولية سوف يؤدى إلى مشكلات تكبد كثيرا من الدول خسائر فادحة، وأثبتت التطورات اللاحقة صواب رؤيتها، وضرورة أن تكون هناك نظرة شاملة لهذه القضية الشائكة.

مع ذلك خضعت عملية التعامل لجملة من الحسابات السياسية والخطط الإستراتيجية غير الناضجة، حتى فشلت القوى المختلفة فى التوافق حول أجندة واضحة ومحددة، لأنه جرى اختيار وسائل انتقائية، بقيت رهينة لرؤية كل دولة، لذلك أخفقت غالبية الوسائل فى الحد من مخاطر الإرهاب، وبدا الأمر كأن هناك علاقة طردية بين الضجيج الدولى حول سبل المكافحة والعمليات الإرهابية، للدرجة التى تزايدت فيها الأخيرة فى الوقت الذى أصبحت قوى إقليمية ودولية عدة مشغولة بالحديث عن الإرهاب.

فى حين كان المنتظر أن يكون العكس هو الصحيح، ولأن التباين واضح فى التقديرات الدولية، أصبح من الطبيعى أن تتصاعد العمليات، والمؤسف أن بعض من يروجون لمكافحته عالميا، هم أول من أسهموا فى تضخيمه، سواء عن عمد من خلال دعم وتغذية العناصر الإرهابية وفتح الطرق المسدودة أمامها، أو عبر التقاعس فى الحرب عليه، بما أفضى إلى زيادة شراسة المعركة، لأن الإرهابيين شعروا بوجود حماية غير مباشرة لهم، مكنتهم من تجاوز عقبات أمنية كثيرة.

الأشد خطورة أن ارتفاع حمى الإرهاب، كشف عن مكونات لتواطؤ وتآمر بعض القوى التى تزعم أنها فاعلة فى المقاومة، وربما التصريحات والتلميحات الأمريكية المختلفة بشأن مسئولية إدارة الرئيس باراك أوباما عن تضخم تنظيم داعش أحد العلامات المهمة فى هذا الاتجاه، ناهيك عن الإشارات التى بدأت تتوالى بخصوص دور تركيا وإيران وقطر فى استفحال المتطرفين فى المنطقة، وهو ما يجعل من الصعوبة استمرار التعامل الانتقائي، والصمت على الازدواجية السابقة بات خطرا داهما.

هناك ملامح كثيرة تقول إن العالم أمام مرحلة فارقة، لن تصلح معها الأدوات والمفردات القديمة، وثمة حاجة ماسة لتقريب المسافات لكى يتمكن من يتصدرون المشهد فى هذا الفضاء من القضاء على الإرهاب وذيوله وفلوله، ودون تحديد المسميات وتدارك أخطاء الماضى والتوافق حول رؤية شاملة، سوف يكون من المستحيل تحقيق اختراق إيجابى فى أى من الصراعات والحروب والتوترات الراهنة، التى تندرج جميعها تحت بند الإرهاب، لأنه أصبح قاسما مشتركا فى التراكمات النهائية لما يجرى فى المنطقة والعالم.

شبح الإرهاب لم يكن ظاهرا بقوة فى الأزمات التى اندلعت خلال السنوات الماضية، غير أنه تعاظم وتحول إلى رقم مركزى فى كل المعادلات التى نراها، فالثورات العربية التى اندلعت فى بعض الدول، قفز عليها غول الإرهاب، عن عمد أو بحكم التطورات التالية، والهجرة غير الشرعية أصبحت مرادفا للإرهاب تقريبا، بل ومعاناة دول بعيدة عن التوترات أضحت خاضعة لطقوسه.

وهكذا تحول الإرهاب إلى سيف مسلط على رقاب الجميع، واختلط الحابل بالنابل، وتحولت عملية التفرقة بين من يقومون فعلا بمكافحته ومن يعملون على تغذيته إلى ما يشبه اللوغارتمات، وتشابكت الخريطة السياسية بين من يطالبون المجتمع الدولى بشن مزيد من العمليات العسكرية ضد البؤر الإرهابية، ومن ينادون بالتمهل حرصا على حياة المدنيين.

التداخل اللافت ضاعف أيضا من صعوبة الفصل بين المسميات، وجرّنا إلى خندق مفتعل من حرب المصطلحات، وحاولت جهات كثيرة تجاهل (عن عمد) أن أحد أهم فك شفرات الصراعات الحالية يكمن فى القضاء على الإرهاب، لأنه المدخل الرئيسى والصحيح لفتح الطريق أمام التسويات السياسية المنتظرة.

هل يمكن حل الأزمة السورية دون التخلص تماما من الإرهابيين واقتلاع جذورهم من جميع الأراضي؟ وهل تستطيع ليبيا أن تحافظ على وحدتها دون إنهاء ظاهرة الميليشيات التى ترتكب جرائم على الهوية؟ وهل يمكن أن يسترد العراق عافيته السياسية قبل القضاء على تنظيم داعش وأعوانه، الذين أصبحوا مطية لكثير من الاختراقات الخارجية؟ وهل يمكن الحديث عن أمن واستقرار اليمن فى ظل أوضاع تتجاذبها قوى مختلفة، بينها جهات تمارس الإرهاب باقتدار؟ وهل يتحقق الاستقرار فى أى بلد قبل تجفيف المنابع فى البيئة الحاضنة للإرهابيين؟

إذا جرى الكلام عن تسويات سياسية، فالمؤتمرات واللقاءات والاجتماعات التى تعقد هنا وهناك لن تفضى إلى نتائج إيجابية، ما لم تنتفض القوى المؤثرة والفاعلة لمكافحة الإرهاب بصورة حقيقية، وتتخلص من المناورات والمراوغات التى أطالت عمر الإرهاب وجعلته مصدر تهديد خطير لدول كانت تعتقد أنها بمنأى عنه، لمجرد أنها سهلت انتقال عناصره من أراضيها، ومكنتهم من الاستقرار فى أماكن بعيدة، ثم اكتشفت أن هؤلاء تحولوا لقنابل موقوتة يضربون ويقتلون فى الدول التى خرجوا منها، بعد أن حصلوا من قادتها على صك براءة مقدما، وتلقوا أنواعا مختلفة من الدعم.

التوجهات التى تتبناها مصر تقول إن الإرهاب هو القاعدة التى يجب التوافق على تفاصيلها، والتناقضات الإستراتيجية التى تباعد بين بعض الدول يمكن أن تتلاشى أو تتراجع، إذا تم التفاهم حول الأسس العلمية لصد الهجمات الإرهابية، لذلك فالتصورات التى خرجت من الولايات المتحدة وروسيا وعديد من الدول فى الشرق والغرب، بشأن التفكير فى عقد مؤتمر دولى لمكافحة الإرهاب، يمكن أن تصبح نواة أو خطوة أولى على الطريق السليم، شريطة أن يتم تجاوز التعقيدات التى منعت التفاهم حول سبل القضاء عليه، وإبعادها عن الحسابات العقيمة لبعض القوى الدولية.

فى تقديرى أن الفرصة مهيأة لوقف ظاهرة التجاذبات، وتجاوز أزمة النظرة الضيقة، والتعامل مع الإرهاب باعتباره أزمة عالمية، ولن يكون أحد بمنأى عن تداعياته السلبية، وأول حجر يوضع فى هذا المضمار لابد أن يتضمن توافقا على الأسس الرشيدة لمكافحته، والتعاون بين الدول المتضررة منه والتخلص من التعريفات التى تتسم بالميوعة السياسية، التى يريد أصحابها حصر الإرهابيين فى فئة محددة وتجاهل فئات أخرى، لعبت دورا فى انتشار الظاهرة على نطاق واسع، فلم تعد هناك رفاه للاستمرار فى حرب التعريفات، وما يمر به العالم من تطورات يمثل اختبارا لحسم مشكلة الأدوات الناجحة لمكافحة الإرهاب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف