ليس هناك أدنى شك أن ما يحدث فى الصين منذ قيام ثورتها التاريخية عام 1949 وحتى الآن يؤكد القدرة على التواصل ما
بين جذور الحضارة القديمة وبين طموحات الحاضر اعتمادا على النفس والذات.
فى هذا البلد العريق الذى يقترب سكانه من حاجز المليار ونصف المليار نسمة فإن غالبية السكان مازالوا يفضلون العيش فى الريف نتيجة للسياسات الحكومية الرشيدة التى تعطى أولوية قصوى لدعم قطاع الزراعة وضمان الاستقرار فى الريف بما يشجع على زيادة الاستثمارات الزراعية واستمرار زيادة دخل الفلاحين من خلال تعديل وترشيد الهيكل الزراعى ودعم البناء الرأسمالى فى الزراعة ورفع الأعباء عن الفلاحين ودعم كل ما يصون الحياة المستقرة للمزارعين.
والحقيقة أنه حين يرد اسم الصين يطوف بالخاطر مباشرة اسم قارة آسيا فالصين هى الركيزة والعلامة المميزة لهذه القارة الشاسعة.. آسيا الرياح الموسمية.. وآسيا السهول الرطبة حيث ينصرف الفلاحون هناك منذ أقدم الأزمنة إلى الزراعة بحرفية ومهارة بالغة فيغرسون الأرز غائصين بأرجلهم فى الوحل ويقيمون السدود ويحفرون الترع ويسمدون التربة بروث المواشى وزبل الأغنام والإبل ويسعون إلى جعل أرضهم مشغولة بزراعات متصلة طوال العام.
والخلاصة إن الصين رغم ما حققته من تقدم صناعى وتكنولوجى هائل مازالت ترى أن الزراعة هى الحل الذى يضمن تحقيق ما يشبه الاكتفاء الذاتى من الاحتياجات الغذائية وقدرة هائلة لتصدير الأخشاب من الغابات التى تنتشر فيها أيضا محطات ومراكز تربية المواشى والدواجن.. ليتنا نعيد للزراعة المصرية اعتبارها مرة أخرى ونحتذى بالنموذج الصينى فى أن تظل الزراعة ركيزة أساسية فى البنيان الاقتصادى والاجتماعى مهما تعاظم الاهتمام بالصناعة والتكنولوجيا! وكل ما ذكرته فى السطور السالفة لم يكن سوى جزء من أوراق البحث الذى عرضته فى جامعة بكين للعلوم واللغات والعلاقات الدولية التى منحتنى مشكورة درجة الدكتوراة والأستاذية الفخرية فى سبتمبر الماضى.
خير الكلام:
>> أكبر خطيئة تقع فيها أن ترى الحقيقة وتتعامى عنها!