فيتو
وليد طوغان
لو بطرس غالي بريء؟
كلام وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى يبدو منطقيا، وتبدو تأكيداته على أننا في أزمة كبيرة على قدر كبير من المعقولية.

في حواره مع أسامة كمال، قال الدكتور يوسف إنه لم يتربح، وفى الشارع هناك كلام كثير على أن كل رجال نظام مبارك تربحوا، وكسبوا أموالا طائلة دون وجه حق. ما الحل إذن؟

الحل في تسريع محاكمات من تبقى من هؤلاء، وسرعة حسم القضايا العالقة. الحل في كلمة القضاء الأخيرة، فلا كلام يوسف بطرس غالى معيار، ولا كلام الناس في الشارع هو الحكم.

الحل أيضا في إلغاء مفهوم "رجال مبارك" الذي صنعه الإخوان، وصدره ما يسمى بشباب الثورة، في زمنا ما لركوب الموجة، ومحاولة التحصل على مكاسب ومناصب.

الغريب أن هناك من لا يزال يلوك كلاما ومفاهيم "إخوانية" "ثورية" رغم سقوط الإخوان، وانكشاف الثوريين. مفترض أننا فهمنا الآن أن ترُبح رجال ووزراء مبارك، نصفه كلام إخوانى، وثلثه دعاوى شباب ثورة. أغلب القضايا في هذا الشأن انتهت بالبراءة. عهد مبارك انتهى، وانكشف أن أغلب شباب الثورة أرادوا التربح، وأن كل الإخوان أرادوا الاستيلاء على الحكم. رغم ذلك، ما زالت مفاهيم الإخوان وشباب الثورة عقيدة لدى بعضنا.

على فيس بوك طالبوا بإعادة يوسف بطرس غالى وزيرا للاقتصاد. وإن جيت للحق، الراجل كان أفضل وزير اقتصاد خلال الخمسين سنة الأخيرة. وإن جيت للحق أيضا، كلامه عن مشكلتنا الاقتصادية، وحلوله المقترحة، في لقائه مع أسامة كمال على قناة "دى إم سى" كانت أفضل مليون مرة مما يفعله طارق عامر، ووزراء المجموعة الاقتصادية.

ليس هذا دفاعا عن عصر ضد عصر. فكرة المقارنة بين الأنظمة المختلفة، باتت قديمة وبالية. زال زمن المقارنات، ويبقى علينا فقط النظر للأمام. النظر للأمام يعنى الاعتراف بما لدينا من أخطاء، ومحاولة الحل.

لو أن يوسف بطرس غالى بريء.. فما المانع من الاستعانة به؟ لو أن لم تثبت تهم في حقه، ما المانع أن نأتي به ونسأله، ونستشيره في حلول؟

مع أسامة كمال، طرح الدكتور يوسف أكثر من نقطة مهمة في سياساتنا الاقتصادية. قال إن البنوك عليها أن ترفع سعر الفائدة، سحبا لمزيد من النقد لدى الشارع، لتقليل نسبة التضخم. قال إن العيب في عجز الموازنة، وهو السبب في ارتفاع الأسعار، وارتفاع نسب التضخم.

نسبة التضخم وصلت الشهر الماضى إلى اعلى رقم منذ 80 عاما. هناك ثبات في الأسعار على ارتفاعها، لكن الحكومة مازالت تطبع نقدا، وتضخه في السوق، ما يؤدى بالضرورة إلى موجات جديدة من زيادة الأسعار، وزيادة التضخم مرة ثالثة.

من جانبها، تطالب الحكومة الناس بالترشيد، ولا ترشد هي. الدليل زيادة الإنفاق الحكومى على الحد الذي ينبغى مساهمة في خفض عجز الموازنة.

حكومة شريف إسماعيل لا ترشد إنفاقها، لكن تحاول الترشيد في دخل المواطن. مثلا حاول وزير المالية الحالى "الصهينة" على علاوة الموظفين غير الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، لولا تصدى اقتصادية مجلس الشعب. بدا أن الحكومة تود لو تمنع مزيدا من دخل محدودي الدخل، بينما تساهم سياساتها في زيادة التضخم.. وزيادة الأسعار!

قال دكتور يوسف بطرس غالى مع أسامة كمال إن القضاء على السوق السوداء للدولار، لا يعنى حل للمشكلة زيادة سعر الدولار. صحيح الحكومة قضت على السوق الموازية، لكن سعر الدولار زاد في البنوك، بمزيد من انخفاض سعر الجنيه، ومزيد من زيادة أسعار السلع الأساسية، والخدمات.

تحريك الدعم هو الآخر لم يقابله إجراءات حكومية قوية لحماية محدودى الدخل. النتيجة أن دخلت شريحة من متوسطى الدخل، نطاق المحدودين.. وزادت الأعباء على المواطن، وسعر الدولار ما زال في ارتفاع!

ليس لحكومة شريف إسماعيل حتى الآن إجراءات واضحة لزيادة الاستثمار الأجنبي. قانون الاستثمار لم يصدر للآن، والعراقيل في اللوائح عائق أساسى أمام المشروعات الصغيرة. ليس للحكومة إجراءات واضحة حتى اليوم لإعادة فتح المصانع المغلقة.

رغم ثبات الأسعار مازالت الحكومة تضخ نقدا مطبوعا. مزيدا من طباعة النقد، سبب ثالث لرفع نسبة التضخم. كل هذا انتقده الدكتور يوسف بطرس غالى.

عصر مبارك انتهى، ولن يعود. بقيت الخبرات التي عملت في ظل نظام مبارك. ممكن الاستفادة بلا حساسية من هؤلاء، ما دامت صفحاتهم القانونية خالية. توزير الدكتور على مصيلحى للتموين كانت خطوة موفقة. فالرجل خبرة وله إنجازات في وزارة سابقة.

خبرات أخرى لها سوابق تجارب في عصر مبارك تبدى الآن مجهودا في مجالات كثيرة على استحياء. ما الذي يمنع من الاستعانة بخبرات مماثلة، خالية صفحاتهم من التربح.. أو الجرائم؟

لو صفحة الدكتور يوسف بطرس غالى نظيفة، فما المانع من عودته؟ وما الذي يمنع من إشراكه في حلول لمشاكلنا الاقتصادية؟ ما قاله الرجل مع أسامة كمال، يشير إلى فهم حقيقى.. بلا شعارات، ولا كلام في الفاضى.

لو يوسف بطرس غالى برىء، حرام يظل في الخارج.. بلا سبب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف