لويس جرجس
صور من بلدي .. الفتنة سياسية والمواجهة فكرية
تعرض مسيحيو مصر علي مدار التاريخ لموجات متعددة من الاضطهاد داخل وطنهم الذي يصرون علي العيش فيه لأنه ليس لهم وطن غيره مهما تعرضوا للأذي. هذا الاضطهاد والتمييز سواء جاء من جانب الحكام مصريين أو محتلين أو من مصريين متعصبين ضيقي الأفق يرون المختلف سياسياً أو دينياً عدو هو اضطهاد وتمييز مؤقت دائماً يمر عابراً في التاريخ وتبقي مصر بكل ما فيها من تنوع واختلاف.
التعصب وضيق الأفق وتفسير الدين علي هوي المتعصب مع استغلال سياسي لهذه الحالة هو ما يدفع الأمور في أي بلد إلي الفتنة الوطنية ثم الحرب الأهلية. رأينا هذا في دول كثيرة حولنا وفي العالم الواسع حروب أهلية تغذيها أغراض سياسية لا يستفيد منها إلا تجار السلاح في العالم ووكلاؤهم في الدول المنكوبة بهذه الكارثة والنتيجة أرباح بالمليارات تجنيها احتكارات السلاح "تصنيع وتجارة" علي حساب أبرياء تخدعهم التفسيرات الخاطئة للأديان فتدفعهم إلي الاقتتال ظناً منهم انهم يدافعون عن دينهم أياً كان هذا الدين الذي هو في حماية الله وليس البشر.
تلك مقدمة لازمة قبل التطرق لما يعانيه أهالي العريش هذه الأيام حيث تعرض المسيحيون منهم للتهجير من موطنهم الذي عاشوا فيه عمرهم وبيوتهم التي كانت آمنة بعد تزايد حوادث استهدافهم من قبل الجماعات المتعصبة وحيث يتعرض المسلمون منهم للتضييق عليهم باسم الدين "فرض النقاب علي النساء ومنع المعلمات من الذهاب إلي أعمالهم دون محرم".
هذه الجماعات تحركها أياد محلية وإقليمية ودولية معروفة أهدافها سياسية في ظل أوضاع متوترة تجتاح المنطقة كلها تمتد تأثيراتها بالطبع إلي مصر. ولكن من أين تستمد هذه الجماعات قوتها؟ البشر الذين تجتذبهم هم أهم عناصر قوتها وكيف تتمكن هذه الجماعات من اجتذابهم؟ بالمال ثم الفكر ففي شعب تزداد أعداد الفقراء فيه يسهل اجتذاب الشباب الباحث عن المال وفي شعب متمسك بدينه ويغار عليه. ليس أسهل من اجتذاب الشباب باسم الدفاع عن الدين من هجمات الأعداء. انه الفكر الذي يحول اخوة الوطن مسلمين ومسيحيين باسم الدين إلي أعداء يجب القضاء عليهم.
من هنا كانت حتمية المواجهة الفكرية الحقيقية الشجاعة التي توضح صحيح الدين من خلال ترك جميع الآراء تتفاعل حتي لو تعارضت مع الرأي الرسمي وليس بالحجر علي الآراء وليس بمنع البرامج التي تقدم رأياً مخالفاً. تلك هي بداية المواجهة الحقيقية التي لا يجدي بغيرها أي مواجهة بالسلاح لأن سلاحهم لا ينفد والأموال لا تنقصهم. الفكر فقط هو القادر علي المواجهة الحقيقية.
لقطة:
حسن ومرقص وكوهين فيلم قديم عن علاقة المصريين الطيبة من أصحاب الديانات الثلاث.
بعد خمسين سنة اختفي كوهين وشاهدنا فيلم "حسن ومرقص" فقط وتساءل الكاتب الصحفي ابراهيم عيسي: هل يكون الفيلم القادم بعد خمسين سنة عن حسن وحده؟!.. السؤال منطقي في ظل فكر ينفي الآخر. ولكن قناعتي الشخصية مدعمة برؤية لتاريخ مصر ان زمن حسن ومرقص وكوهين سيعود ولو بعد مخاض طويل.