الجمهورية
مدبولي عثمان
مصر الصغري .. أسرار وحقائق
"لما كان طريق الخطر الخارجي البري إلي مصر هو الشام أساسا وكانت سيناء تحتل النقطة الحرجة بين ضلعي الشام ومصر اللذين يكونان وحدة استراتيجية واحدة. فقد أصبحت. طريق الحرب. بالدرجة الأولي إنها معبر أرضي. جسر استراتيجي معلق أو موطأ عبرت عليه الجيوش منذ فجر التاريخ عشرات المرات. وربما حرفيا مئات المرات جيئة وذهابا تحتمس الثالث وحده عبر 17 مرة".. قائل هذه العبارة ذات المعاني الكبيرة والعميقة المفكر العبقري الراحل الدكتور جمال حمدان في كتابه المهم "سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافية".
ويحدد حمدان الاهمية الاستراتيجية لسبناء بقوله: "من يسيطر علي فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الاول. ومن يسيطر علي خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء. من يسيطر علي سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الاخير".
وبسبب هذا الموقع الاستراتيجي لبوابة مصر الشرقية كان الدم المصري ولايزال يروي رمال سيناء منذ غزو الهكسوس لمصر عام 1789 ق . م . مرورا بغزو الاسكندر الاكبر 333 ق. م . وفي عصرنا الحديث دارت علي أرضها 3 حروب مع العدو الاسرائيلي 1956 و1967 و1973. وحاليا تسيل الدماء المصرية البريئة في مواجهة الارهابيين . وقد وثق حمدان هذا الواقع التاريخي بقوله: "حيث كان ماء النيل هو الذي يروي الوادي كان الدم المصري الذي يروي رمال سيناء".
في احدي الندوات وبعد الهجوم الارهابي علي كرم القواديس في 24 أكتوبر عام 2014. وجه الي سؤال حول حقيقة الحرب ضد الإرهاب في سيناء. وهل فعلا تقوم بها جماعات اسلامية مدعومة من حماس ؟. وكانت اجابتي بأن نوعية الهجمات الإرهابية والأسلوب والدقة التي تنفذ بها يكشف أن الحرب دبرتها وتديرها أجهزة مخابرات عالمية تابعة لاسرائيل ودول اخري كبري . وبعد أكثر من عامين تكشف المعارك الدائرة في جبل الحلال في سيناء تلك الحقيقة.
وقد فضح كتاب الجمهورية "المؤامرة الكبري" للكاتب الصحفي عاطف الغمري الصادر في يناير عام 2016 التحالف غير المعلن بين المخابرات الاسرائيلية والغربية وبين المنظمات الإرهابية في سيناء وفي المنطقة العربية بأسرها. وجاء في صفحة 114 النص التالي: "من الواضح أن تحركات المنظمات الإرهابية لا تدور بعيدا عن عجلة الاستراتيجية الاسرائيلية . سواء كانت قيادات هذه الجماعات مخترقة من مخابرات اجنبية او بعضها يتوهم أنه يعبر عن أفكار تخصه فانها جميعا في خدمة استراتيجية اسرائيل".
وأكد ذلك البروفيسور الامريكي ماكس مايورا في محاضرة أمام معهد الامن القومي الاسرائيلي بقوله : "ان الخطة الاسرائيلية هي جزء من مشروع دولي أوسع مدي ضمن إطار حروب الجيل الرابع. والهدف منها استثمار النشاط الإرهابي لصالحها والمتمثل في وجود قاعدة إرهابية متعددة الجنسيات داخل الدولة المستهدفة وتمارس تكتيك حرب العصابات ضد القوات المسلحة لهذه الدولة".
وخطة اسرائيل تستهدف إعادة احتلال سيناء وفقا لوثيقة "استراتيجية اسرائيلية للثمانينيات" المنشورة في فبراير 1982 في مجلة "كيفونيم" التي تصدرها في القدس المحتلة المنظمة الصهيونية العالمية وجاء فيها: "تعتبر العودة إلي سيناء بما فيها من موارد حالية وموارد كامنة تنتظر من يستخرجها. هدفا سياسيا عظيم الأهمية بالنسبة لإسرائيل".
وتشير المراجع التاريخية إلي أن الاطماع الصهيونية في سيناء قديمة . وبدأت قبل اغتصابهم فلسطين ب 431 عاما. ففي عام 1517رفض السلطان العثماني سليم الأول السماح لليهود بالهجرة إليها.
وفي عام 1566 بدأت الهجرات المتقطعة ثم ركزوا اهتماماتهم في مدينة الطور حيث بدأت هجرة اليهود إلي سيناء برجل يهودي يدعي أبراهام اليهودي هو وأسرته. وفي عام 1902 وصلت لجنة هرتزل "مؤسس الحركة الصهيونية" إلي سيناء وطلبت من السلطات البريطانية تأجير ساحل شمال سيناء لإقامة مستوطنات يهودية فيه بتمويل الثري اليهودي روتشيلد. وعام 1903 طلب هرتزل إجراءات الترتيبات اللازمة للتوقيع علي عقد استئجار سيناء والعريش بحيث تكون مدة الامتياز 99 سنة ومنح الحركة الصهيونية الضمانات والحقوق الاستعمارية. ولكن مشروع استعمار سيناء والعريش فشل بسبب رفض مصر توصيل كمية كبيرة من المياة الضرورية للمشروع. وفي عام 1918 أعلن بن جوريون - رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد- ضرورة ضم العريش إلي ما اسماه الوطن القومي اليهودي.
ورغم أطماع المستعمرين في سيناء عبر قرون التاريخ إلا انها ظلت مصرية بتضحيات أبناء واختصر تلك الحقيقة الدكتور حمدان بقوله: "إن سيناء تحمل بصمات مصر حضارة. وثقافة. وطابعا. وسكانا. بالقوة نفسها التي يحملها بها أي إقليم مصري آخر". وفي جيولجويتها تكاد سيناء تختزل جيولوجيائها مصر كلها تقريبا. إنها مصر الصغري.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف