المصريون
جمال سلطان
نقاش هادئ لرسالة الإخوان الأخيرة
نشرت جماعة الإخوان هذا الأسبوع على قواعدها رسالة فكرية جديدة حملت عنوان (خطوط رئيسية في الثوابت والقواعد الحاكمة للحركة والتنظيم لدى الجماعة) ، وهي ممهورة باسم الدكتور محمد عبد الرحمن المرسي ، عضو مكتب الإرشاد والقائد الفعلي للجماعة داخل مصر في الفترة السابقة ، والذي قامت السلطات بإلقاء القبض عليه مع مجموعة من كوادر الجماعة ، والرسالة كاشفة عن "عقل الجماعة" الآن ، وثوابت أفكارها التي تعمل عليها حاليا ، والقواعد التي تحكم سلوكها التنظيمي والحركي ، ومن هنا تكون أهميتها للباحثين ، وقد رأيت ضرورة النقاش معها ، وتقديم رؤية لها "من الخارج" ، لأن رؤى "الداخل" في الأمور المنهجية والفكرية تكون ـ عادة ـ عصية على التأمل ،خاصة في ظل ظروف عاطفية ونفسية تدفع للتماسك التنظيمي وتعيش أجواء الخوف الذي يدفع عادة للتحوصل وغلق العقول عن النقاش الجاد ، وهو أمر يفضي إلى الجمود التام والارتياب في أي دعوة للتجديد ، وكان التحجج بتلك الظروف أحد الأسباب الرئيسية التي ساعدت القيادات القديمة للجماعة في محاصرة أي أفكار تجديدية أو أي نزعات فكرية لتطوير الفكرة أو تحديث الجماعة منهجيا وتنظيميا ، تحت دعوى أن الجماعة ملاحقة وأن الظروف لا تساعد وأن وحدة الصف أولى الآن ، ولما كانت الجماعة في دوامة من الصراع الدائم مع السلطات الحاكمة وأجهزتها منذ تأسيسها في نهاية العشرينيات من القرن العشرين وحتى اليوم ، فكان طبيعيا أن يتجمد الفكر وتتوقف الأفكار وحتى الخطط البشرية العادية عند حدود ما ارتآه مؤسسها الشيخ حسن البنا رحمه الله ، في حدود خبرته الإنسانية والكونية ، بل إن الرسالة الجديدة أكدت في ختامها على أن "تراث" البنا هو المرجعية الحاكمة للجماعة فكرا وسلوكا ، وأنهم لا يحيدون عن تلك التعاليم أبدا ، واستعاد النص الشهير المأثور عنه : (إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده، ولست مخالفاً هذه الحدود) ، وهذه العبارة الخطيرة أغلقت ـ تقريبا ـ أي طريق للتجديد أو التحديث ، ناهيك عن تجاوز خبرات البنا واجتهاداته الإنسانية التي انقدحت في مخيلته وفكره في مرحلته الزمنية بحساباتها وتوازناتها . تحدثت الرسالة عما أسمته : شمولية الفهم للإسلام وشمولية العمل له ، وقد شرح هذا الأمر في سطور بأنه يشمل حياة الفرد والمجتمع والأمة والنظام السياسي والحكومة والوطن والجيش والقضاء والدولة ، والحقيقة أن هذا الأساس هو مفجر الصدام الدائم بين الإخوان وبين جميع النظم السياسية التي وردت على مصر والعالم ، كما أنه سبب الصدام بين الإخوان وجميع القوى السياسية التي ظهرت في العالم الإسلامي ، لأن مفهوم الشمولية لا يقصد به الإسلام نفسه ، وإنما دعوة الإخوان المنتسبة للإسلام ، حسب ما نقلت الرسالة نفسها مقولة البنا الشهيرة (فهى دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية ..) ، وبالتالي فهذه الدعوة ـ بإطارها التنظيمي ـ هي بديل شامل وكامل لكل نواحي الحياة ، دعوة شاملة ، مجتمع بديل ، أمة بديلة ، ومشروع دولة في مرحلة التكوين وانتظار الفرصة ، وأن كل فعاليات تلك الدولة ستكون من الإخوان أو بقبضتهم بما في ذلك الجيش والقضاء ، وصولا إلى دولة الخلافة حسب ما ورد في نفس النص بعد ذلك . كما كان لافتا أن الرسالة نقلت مقولة للبنا نصها : (إن هذه الدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من كل جوانبها ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه وماله ووقته وصحته ... فهذه الدعوة لا تقبل الشركة، إذ أن طبيعتها الوحدة، فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به) ، فهذا نص واضح في دلالته على أمرين : أن الجماعة تعتبر نفسها بديلا إنسانيا ودينيا شاملا للجميع ، كما أنها لا تقبل شراكة من أي كان ، دينيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا .... إلى نهاية النص ، وهذا "الوعي" كان سببا جوهريا في الخصومة والعداء بين الجماعة وبين أي منافس لها في الحالة الإسلامية ، أفرادا أو مؤسسات ، فهي لا تقبل الشركة ، ولأن نجاح هذا "الآخر" خصم منها بل وجوده في حد ذاته خصم منها ، فكانت الجماعة توعز دائما بتشويه الآخرين والإساءة إليهم ، حتى لو لم يبادروها بأي إساءة ، كما أنه من اللافت أن مقولة البنا هي استلهام لحديث نبوي شريف : (إن هذا الدين لا يقوم به إلا من حاطه من جميع جوانبه) ، فتم وضع "الجماعة" مكان "الدين" ، فالجماعة هي الدين والدين هو الجماعة .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف