الأهرام
أشرف محمود
غياب المعلومات وراء ألغاز حياتنا !
وكأنى كنت استشرف المستقبل القريب عندما كتبت هنا مقالا عنونته فتنة ابوتريكة وحذرت فيه من التعامل مع قضية نجم كروي كبير له شعبية طاغية ومشهود له بالاخلاق الحميدة، دون ان تقترن التهم الموجهة له بالحيثيات والمستندات الباتة التي تحول دون تدخل المزايدين وهم كثر على خط الازمة ، وطالبت بوضوح الجهات المسئولة بتقديم مالديها ضد ابوتريكة حتى لاتترك البلاد عرضة لفتنة المزايدين والتجاذبات بين المؤيدين له والمعارضين ، ومابين الاثنين تضيع الحقيقة التي لااحد يستطيع ان يكشفها الا السلطات الرسمية ، ومن هنا ندخل دائرة الالغاز التي تلف حياتنا وتجعلنا أسرى ندور في فلكها دون ان يكون لنا من سبيل للخروج منها.

وهكذا جاءت وفاة والد ابوتريكة - رحمه الله ورحم شهداء الوطن ووالدينا جميعا – لتفتح الباب على مصراعيه امام فتنة كبرى اشعلت مواقع التواصل الاجتماعي وحولت الفيسبوك تحديدا الى فوضى بأتم معنى الكلمة ، وزايد المزايدون الذين ينشطون في الازمات وينفخون في رماد نارها لتتأجج من جديد وتحرق الاخضر واليابس ، فجأة تحول الفيسبوك الى مؤتمر مفتوح يناقش قضية (القهر) ـ حسب وصف معظمهم ـ التي تعرض لها ابوتريكة لعدم قدرته على العودة الى الوطن من الدوحة ـ حيث يعمل محللا رياضيا هناك ، ليلقي النظرة الاخيرة على والده ويتلقى العزاء فيه ، ومن عجب ان الموقف الانساني وجد تعاطفا كبيرا حتى ممن يختلفون مع ابوتريكة ، ولِمَ لا وطبائع البشر جبلت على المؤازرة في الملمات ، حتى قانون الشرطة يتيح للسجين ان يتقدم بطلب الى وزارة الداخلية ليسمح له بحضور جنازة اقاربه من الدرجة الاولى ، وكثيرة هي المرات التي تم فيها هذا الامر ، حتى الموروث الشعبي الدرامي المصري يحتفظ بالكثير من المشاهد التي تدفع الانسان الى فعل اي شىء من اجل حضور جنازة والده او والدته وليس ببعيد عن الذاكرة مشهد في فيلم الهروب للنجم الراحل احمد زكي عندما اصر على حضور جنازة امه رغم انه سجين ففر من المحكمة ليدفن امه ويتلقى عزاءها ، فكيف يمكن لنجم مشهور اتخذ قرار عدم العودة بكامل حريته بناء على نصيحة اصدقائه المحيطين به في الدوحة ، واعلن انه سيذهب لأداء العمرة على روح والده ، بينما يدشن كثيرون من مريديه او المزايدين على الدولة انه منع من العودة الى الوطن ، دون ان يشغلوا انفسهم بأن احدا في هذا الكون لايستطيع ولا يملك من الصلاحيات التي تمنع مواطنا ايا ماكان شخصه او موقفه السياسي او حتى تهمته من العودة الى الوطن ؟! وزاد البعض بابداء التعاطف مع اللاعب ضد الظلم ، ومن عجب ان عددا ممن كانوا معه في لحظة تلقيه خبر وفاة والده، يرحمه الله ، كتبوا غير مرة انه يصر على السفر وانه سيصل الى مصر في الثامنة والنصف ، ثم زاد احدهم بان كل محاولات اقناعه بعدم السفر باءت بالفشل ، لكنه عاد بعد قليل وقد تحول الى وكالة أنباء حاملا البشرى بأنه اقتنع اخيرا ولن يسافر وسيذهب للعمرة ، هكذا على مدى اكثر من ساعتين سادت الفوضى مواقع التواصل ، ونعت الوطن بكل اوصاف القهر والظلم والاستبداد ، حتى عندما صرح مصدر مسئول من وزارة الداخلية بأن ابوتريكة ليس مطلوبا او على قوائم ترقب الوصول وانه يستطيع ان يدخل بلده وقتما شاء ، لم يعر اي من المزايدين هذا التصريح اي اهتمام ، وتعاملوا معه وكأنه هواء ، وزاد بعضهم بجرأة يحسد عليها ان التصريح بمثابة كمين لاصطياد اللاعب ، دون ان يتوقف اي من هؤلاء أمام أن اللاعب حتى الآن ليس مدانا والقاعدة القانونية التي يعرفها الجميع وثابتة منذ القدم تنص على ان المتهم برىء حتى تثبت ادانته ، وهكذا لعب غياب المعلومة في تفشي الفوضى التي جرأت عددا كبيرا من محبي ابوتريكة من غير المصريين على التعليق بتوجيه سهام انتقاداتهم لمصر وحكومتها ، ماتسبب في اساءة بالغة لمصر ، يجب ان يحاسب عليها المتسبب فيها الذي لم يقدر الامر حق قدره ، وكان مطالبا بأن يعلن منذ اللحظة الاولى اسباب توجيه الاتهام لواحد شعبيته طاغية، مع تسليمنا بأنه وأمثاله ليسوا فوق القانون او الوطن ، لكن التعامل مع هذه الشخصيات العامة يجب ان يكون وفق قاعدة لكل مقام مقال ، لمنع اللغط والفوضى ودحض حجج المزايدين ، حتى التفسير او التعليق يأتي متأخرا وضعيفا ، لدرجة ان واحدا كتب على الفيسبوك رسالة الى الرئيس، مضمونها اراه نبيلا رغم اختلافي مع لغتها وطريقة صياغتها، تحدث فيها عن الاضرار التي لحقت بسمعة مصر في المجال الرياضي القاري والعالمي نتيجة ماحدث ، ومنحت الرسالة فرصة للمزايدين لتوجيه سمومهم الى الحكومة ، كما انهم انهالوا بالسباب على من تجرأ واختلف معهم في الرأي.

ان الامر جد خطير ونكرر معه دق ناقوس الخطر ، فسمعة الوطن اهم ، وعلى الجميع العمل من اجلها دائما فهي الأبقى ، وهنا اهمس في أذن ابوتريكة والمخلصين من المقربين منه ألا يمنحوا آذانهم لأصوات المزايدين ، ومادام واثقا في نفسه فلايوسع الهوة بينه وبين بلده .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف