جاء الوقت الذي يلعب فيه المال السياسي علي المكشوف.. يعلن عن نفسه علي الملأ دون أدني حرج.. ويقول بكل وضوح إنه يسعي للوصول إلي السلطة.. إلي البرلمان.. إلي الأحزاب.. والتحالفات الانتخابية.. يملي شروطه.. ويفرض إرادته متبجحاً بأنه "المال" الذي يكسب في النهاية وتكون كلمته مسموعة.
المال يؤسس لشرعية جديدة.. شرعية براجماتية تعترف بدوره وسطوته.. وتستجيب لمغامراته ونزواته.. شرعية تفتح له الطريق إلي السياسة ليحدث التزاوج المكروه.. المرفوض.. الذي من أجله قامت الثورة.. ومن أجله ذهبت أرواح الشهداء إلي بارئها وهي تدرك أن زواج المال بالسلطة أصل الفساد.
من يصدق أن الصراع الدائر حاليا في حزب الوفد.. أو علي حزب الوفد.. هو في حقيقته صراع بين رجال الأعمال من أجل السيطرة علي الحزب العريق وعلي صحيفته؟
ليس هذا استنتاجاً.. لكنه معلومة كشف عنها مقال القيادي الوفدي مجدي سرحان المنشور بصحيفة "المصري اليوم" الأربعاء الماضي.. حيث ذكر أنه تلقي مكالمة هاتفية من المهندس صلاح دياب يخبره فيها بأن هناك رجال أعمال مستعدون أن يدخلوا الوفد ويساندوه بأموالهم ليعبر أزماته.. مثل المهندس نجيب ساويرس وغيره.. لكنهم لا يقبلون أن يعملوا تحت رئاسة السيد البدوي. ثم يعلق سرحان قائلا: "هنا انكشفت أمامي كل الخيوط وزالت الغيوم وأصبحت الحقيقة واضحة جلية وظهر الغرض الخبيث.. فقلت له مستنكراً - أي للمهندس صلاح دياب- ومن الذي أدراك بأننا كوفديين نقبل ذلك.. أو أن وجود المهندس ساويرس في الحزب بهذا الشكل سيكون مقبولاً؟.. والله لو حدث ذلك لقامت ثورة داخل الوفد ويختتم سرحان مقاله الكاشف بالتحذير ممن أسماهم بـ "سماسرة الليبرالية المتوحشة البغيضة" مصاصي دماء المصريين.. الذين يبيعون الهواء للشعب ويكدسون الثروات الطائلة في خزائن أموالهم تحت غطاء سياسي وإعلامي يوفر لهم حصانة زائفة لأعمالهم غير المشروعة.
أرجو أن يكون واضحاً هنا أن قضيتي ليست المهندس نجيب ساويرس لشخصه وإنما لأنه صار رمزاً فجاً لاستخدام المال في السياسة.. ولا يغيب عني ولا عن القارئ أيضاً أن الدكتور السيد البدوي رئيس الوفد- الحزب والصحيفة- هو الآخر رجل أعمال.. ورمز من رموز استخدام المال في السياسة والإعلام.. فهو إلي جانب ما سبق صاحب قنوات "الحياة" كما أن ساويرس صاحب قنوات "أون. تي. في".
الأخ ساويرس يريد طبقا لما ذكره مقال سرحان السيطرة علي الوفد - الحزب والصحيفة- لكي تتسع دائرة نفوذه السياسي التي قويت بلا شك بعد تأسيسه حزب المصريين الأحرار.. ودخوله إلي قائمة الجنزوري التي صارت الآن قائمة "في حب مصر".. وكان قد هدد بعدم دعم القائمة إذا ضمت مصطفي بكري.. طبقا لما ذكره بكري نفسه.
وفي الأيام القليلة الماضية انتشرت انباء عن قيام عصام خليل رئيس حزب المصريين الأحرار- حزب ساويرس- بعرض أموال علي نواب الحزب الوطني السابقين وأعضاء في أحزاب أخري مقابل الانضمام للحزب والترشح باسمه في الانتخابات القادمة.. وهو ما تسبب في أزمة داخل المصريين الأحرار.. لكن نجيب ساويرس حسم الأمر بقوله: الانتخابات البرلمانية لا تعرف إلا لغة المال.. ولن ينجح إلا من ينفق أكثر.. الفلوس وحدها هي التي ستتحكم في البرلمان.
مرة أخري.. القضية ليست ساويرس.. وإنما سماسرة الليبرالية الذين يفرضون وجودهم السياسي بالمال.. وهم كثر.. وفي الأسبوع الماضي ترددت أنباء عن صفقة يقوم بمقتضاها د. محمد عبداللطيف نائب رئيس حزب المؤتمر سابقا بشراء حزب "الثورة المصرية" من طارق زيدان رئيس الحزب مقابل مليون و 600 ألف جنيه.. لكن زيدان طلب 200 ألف جنيه زيادة وفشلت الصفقة.