من يقول بأن "الفن حرام" شخص فاقد الأهلية للحكم علي "شريان" يمد الإنسان بزاد روحي ومعنوي يضيف إلي إنسانيته ويجعله جديرا بأن يكون في أحسن تقويم.
فمن ينكر تأثير الموسيقي؟ والفيلم السينمائي والشعر والمسرحية والأغاني والرقص.. وكلها روافد إذا اكتملت لها المقومات الفنية الأصيلة جعلت الحياة محتملة وأثقالها وتبعاتها المفروضة يمكن الوفاء بها.
ومن ينكر أن للفن رسالة أخلاقية وأنه وسيط لتكريس قيم الحق والجمال والعدل والعطف والتكافل ونبذ القيم التي تنال من إنسانية الإنسان وتجعله قبيحا يعادي الحياة والنفس البشرية ويحول دون الوصول الي تحقيق الخير والانتصار له هو أيضا فاقد الأهلية.
ان جوهر الفن الجمال بكل تجلياته. وإجلاء كل ما يحجب النور ويطمس البصيرة.. الفن أكسير الحياة الحلوة.. لحن جميل.
البيان والبلاغة والصور البديعة التي تجلو النفس وتقربها الي الخالق الأعظم أيضا ضمن تجليات الإبداع الفني ولولا الفنون لضاقت الصدور وتحولنا جميعا الي "دواعش".
هذه المقدمة القصيرة ليست سوي جزء من خواطر عبرت وأنا أتابع الحفل الختامي لمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما في دورته الخامسة والستين.. في هذا المهرجان العريق قامت احدي المؤسسات الدينية ممثلة في هذا المركز الكاثوليكي بتكريم عدد من الفنانين المصريين علي مدي تاريخه.. ومنح الجوائز للمبدعين في مجالات السينما. وبعض رموز العمل العام الاعلامي والاجتماعي.
ومنذ سنوات طويلة وأنا علي تواصل مع هذا المركز الذي أقر بفضله علي معظم الذين عملوا في مجال الصحافة الفنية. نقادا أو باحثين أو محررين في الصحف والمجلات بسبب ما يملكه من ارشيف سينمائي ومكتبة كبيرة يؤرخ لمسيرة السينما ويتابع انتاجها عاما بعد عام وبدأب واخلاص وفهم مستنير لوظيفة الوسائط الفنية في جعل "الإنسان" أفضل وأكثر قربا إلي ما يحقق له السعادة وينقي روحه ويغذي فضيلة التسامح.
وأول أمس اعلنت نتائج الدورة الخامسة والستين في عمر هذا المهرجان وفازت أفلام مصرية من انتاج 2016 في الفروع المختلفة. هذه الأفلام هي "هيبتا" الذي فاز بعدة جوائز منها أفضل تعليم أفضل تصوير وأفضل موسيقي وجائزة الإبداع في التمثيل وأفضل مونتاج وشهادة للطفل الرائع عبدالله هشام وكذلك فاز فيلم "نوارة" بعدة جوائز منها أفضل سيناريو وأفضل تمثيل للبطلة مناصفة مع فيلم "يوم للستات" علي شهادة تقدير وخرجت بعض الأفلام المتسابقة بدون جوائز.
هذه النتائج بشكل عام مرضية وتعبر عن رأي أعضاء لجنة التحكيم.. وقام بتسليمها الأب بطرس دانيال مدير المركز الكاثوليكي ورئيس المهرجان. وواحد من الذين لا يكفون عن العطاء ليس فقط من خلال دعمه لنشاط المركز وايضا بتلبية نداء الواجب ازاء للمرضي والجرحي من أعضاء الجماعة الفنية وابناء القوات المسلحة الذين يقومون بالذود عن الوطن ورد المعتدين عليه.. وقد تم ذلك بمشاركة من رجال الدين الأب كمال لبيب الرئيس الإقليمي للرهبان الفرنسيسكان بمصر والمونسينيور برونو موزار وسفير الفاتيكان في القاهرة.
في هذا المهرجان ومنذ أن تأسس تقوم احدي المؤسسات الدينية بتكريس وظيفة الفن ايمانا منها بدوره في دعم الإنسان روحيا ولذلك فإنها حريصة علي دعم القيم الأخلاقية من خلال وسيط جماهيري مؤثر.
وبعيدا عن النظرة الضيقة والاحكام الدوجماتية الجامدة. يقاس العمل الفني بتأثيره النهائي ونوع تفاعله مع الجمهور المتلقي. والرسائل المطوية في شريطه الصوري ومن خلال معالجته للقصة. ومصائر الشخصيات التي تؤدي الادوار الرئيسية. ومدي ارتباطه بالهموم الإنسانية وموقفه الضمني من قضايا الحرمان والظلم. وظواهر الخير والشر. وانحيازه للإنسان من حيث كونه إنسانا. الي جانب قدرة المبدع صانع العمل علي خلق البيئة التي يتخلق في إطارها الموضوع الذي يطرحه العمل بأسلوب يحفظ لمقومات الفن قدرته علي التأثير جماليا وانسانيا واخلاقيا.
لا يمكن انتزاع الجانب الأخلاقي بين التأثير الكلي للعمل الفني بمعني أن يحقق التطهر ويضيف الي الوعي والبصيرة دون أن يتم ذلك بأسلوب الوعظ أو بالخطاب المباشر فهذه وظيفة رجال الدين أمام منابرهم. وهي ذات قداسة بل ومطلوبة بشرط توفر "الخطاب" الداعم للإنسان وللدين في سموه القيمي والروحي وارتباطه بالمثل العليا الداعمة للحق والجمال والايمان بالله ورسله وتوفر الراحة لسامعيها بخلوها من النبرات الزاعقة المنفرة وتشبعها بروح التسامح.