الأهرام
عزت ابراهيم
تقلبات «الأسرة المصرية» بعد ثورة يناير
مر المؤتمر السنوى التاسع عشر للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية مرور الكرام على غالبية وسائل الإعلام وما نشر عنه لا يتعدى أخبارا قصيرة أو مبتورة عن سياق كبير من الأبحاث أو المناقشات العميقة التى تمثل جهد باحثين كبار لا يصيبهم حظ من الأضواء وسط خلل كبير فى أولويات المعالجات الإعلامية. قدم لنا المركز فى المؤتمر الذى عقد الأسبوع الماضى وجبة دسمة عن حال المجتمع المصرى بكل مكوناته وركز على الأعوام التى تلت ثورة ٢٥ يناير وما أصاب المجتمع من اختلالات وما حققه من تقدم فى السنوات الست الماضية. لفت نظرى وسط كم الدراسات الكثيرة دراسة جديرة بالعرض للدكتورة إنعام عبد الجواد عن «سياسات حماية الأسرة والعدالة الاجتماعية: رؤية مستقبلية» والتى قدمت توصيفا متميزا لأوضاع المجتمع المصرى وبدأت بالإشارة إلى أن ما جاء فى الدراسات السوسيولوجية من أن «الحاجة الفردية والجماعية والمجتمعية لأدوار الأسرة ووظائفها تكون أكثر إلحاحاً- غالباً- كلما انحسرت فى المجتمع المحدد فرص إعداد البشر وإشباع حاجاتهم الأساسية وتمكينهم، انحسرت فرص تحقيق الأمان النفسى والاجتماعى، الفردى والجماعى، عبر كفاية وكفاءة ما يسمى بشبكات الأمان والحماية الإجتماعية».

فقد كشفت البيانات الاحصائية المتاحة ونتائج الدارسات والتقارير العلمية والبحوث الاقتصادية والاجتماعية التى أجريت حول الفقر فى المجتمع المصرى فى السنوات الخمس الأخيرة أن الفقر قد زاد بنسبة كبيرة مع ارتفاع معدل التضخم وتزايد معدلات البطالة، والذى يعد الدخل أحد الأبعاد المهمة لهما، فقد ارتفعت نسبة الفقر فى المجتمع المصرى الى ٢٦,٣٪ عام ٢٠١٣ ثم الى ٢٧,٨٪ فى ٢٠١٥. وأن الفقر أكثر ارتفاعاً فى الريف عن الحضر، وفى الوجه القبلى أكثر من الوجه البحرى، ولدى الإناث أكثر من الذكور ولدى إناث الوجه القبلى أكثر من مثيلتها فى الوجه البحرى. وتمضى الدراسة فى تحليل الوضع المصرى الراهن فتقول إن الفقر يؤثرعلى نوعية العمل ودرجة الاستقرار فيه حيث يوجد٦٠٪ من إجمالى الفقراء فى مصر يشتغلون فى القطاع غيرالرسمى، ١٢,٧ ٪ فى القطاع الحكومى و٢٧,٣ فى القطاع الخاص بجانب أن٣٠٪من الفقراء والمشتغلين يعملون أعمالا غير دائمة-متقطعة- بينما٨٥٪من غيرالفقراء المشتغلين يعملون عملًا دائما. وتوضح الدراسة أن الفقراء اما أنهم متعطلون أو يعملون فى أنشطة هامشية ذات أجور منخفضة، ومعظمهم أميون أو من ذوى المستويات التعليمية المتدنية، هذا بجانب أن السياسات الإقتصادية التى طبقتها الحكومات فى مرحلة ما بعد ثورة يناير أدت إلى النقص الحاد فى دخول الأفراد من ذوى الأسر ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى مما أدى إلى وجود فئة جديدة من الفقراء وهى «الطبقات الوسطى الفقيرة».

‬وعن تأثير ثورة يناير على المجتمع بشكل عام وعلى الأسرة المصرية بشكل خاص تحدد دراسة الدكتورة إنعام عبد الجواد عددا من المؤثرات وهي:

- تسييس الأسرة المصرية: مــع اندلاع أحداث الخامس والعشرين من ينــاير تصــاعدت وتيــرة المظاهرات والشعارات المختلفة المرتبطة بها، حيث خلقت هذه الأحـداث سـيولة سياسـية هائلـة لم يعهدها المجتمع المصرى طـول حقبـة مبـارك والاسـتبداد السياسـى المـرتبط بهـا. فمـن جمـود سياسى عقيم إلى انفلات كامل وحريات هائلـة لـم يعهـدها المصـريون مـن قبـل. وقـد ظهـر هـذا من خلال ارتفـاع وتيـرة النقاشـات السياسـية بـين المصـريين سـواء وعـوا بمـا يقولـون أم لـم يعـوا. ويدلل هذا على أن ثورة يناير قد مثلت حالة سياسة جديدة وفريدة كانت لها نتائجها الإيجابية والسلبية على حد سواء.

- انتشار ثقافة «الوصم السياسى» وارتباط المصريين بحالة غير مسبوقة فى تاريخهم الحديث من هذا الوصم. فقد أدى انتشار هذه الثقافة إلى إصابة الأسرة المصرية بقدر كبير من التمزق الكامل الذى نشهد تجلياته واضحة من خلال تعميق المسافة بين الشباب والكبار، وتنامى العزلة بين أفراد الأسرة من خلال الارتكان لوسائل التواصل الحديثة، إضافة إلى أن وصم الآخرين يمهد الطريق للنيل منهم ويساعد على تأجيج حدة العنف المعنوى والمادى على السواء. ترتب على ذلك وارتبط به قضية شيوع العنف وانعكاسه على الأسرة المصرية، حيث حدة المناقشات السياسية والنتائج السلبية الناجمة عن حالة التسييس التى أصابت المجتمع المصرى ومن ثم الأسرة المصرية، بعد يناير حيث تعدت هذه الحالة إلى العنف المادى الموجه نحو الآخرين وممتلكاتهم.

- لعبت وسائل الاتصال الاجتماعى الحديث وعلى رأسها الفيسبوك وتويتر واليوتوب دورا فى اندلاع احداث الثورة. هذه القدارت الجديدة لمستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة خلقت نوعاً من «التثوير غير المنظور داخل الأسرة المصرية» بين الأجيال الجديدة والقديمة، وبين أجيال الشباب وأجيال الآباء، مما يعنى أن وسائل التواصل الاجتماعى بقدر ما خلقت وعياً إيجابيا استمرارا لتلك الحالة الثورية المرتبطة بأحداث يناير. وبقدر جوانبها الإيجابية على النضج والتثوير، خلقت أيضاً نوعاً من العزلة الأسرية ليست فقط بين الآباء والأبناء ولكن أيضاً بين الأبناء أنفسهم. ومن القضايا الأخرى التى أثرت على الأسرة المصرية التراجع الكبير للسلطة الأبوية المعتادة، يليها قضية غياب القدوة والقيادات الكاريزمية، وأزمة كبار السن.

وينتهى التحليل إلى أن ثمة رياحا للتثوير هبت على مصر ولم يعتدها المصـريون منـذ عقـود طويلـة وهو أمر تناقص تأثيره بمرور الوقت ومع زيادة ضغوط الحالة الإقتصادية وهو ما دفع المجتمع إلى جمود التغيير والتحول من «التثوير» إلى «الجمود» انتقل إلى الأسرة المصرية بسبب الصراعات القائمة بين الآباء والأبناء وفرض قيم محافظة على الجيل الأحدث.. وهو ما يتطلب السعى لإيجاد صــيغة مجتمعيــة تعيــد الانفتــاح للشــباب وتقبــل بجموحهم وحجم الأمال المرتبطة بهم وبتطلعاتهم باعتبارهم كل المستقبل، ويكاد يلتقى هذا مـع مـا أشارت إليه استراتيجية٢٠٣٠ فى سياق محور الثقافة من حيـث بنـاء منظومـة قـيم ثقافيـة إيجابيـة فى المجتمع تحترم التنوع والاختلاف وبنـاء توافـق مجتمعـى حـول منظومـة هـذه القـيم فـى المجتمـع المصــرى وتفعليهــا فــى كل مؤسســات الدولــة والمجتمــع وفــى الخطــاب الــدينى بشــكل يضــع فــى اعتباره ضرورة التجانس بين الفضاء المجتمعى والفضاء الأسرى على السواء.

إسهامات علمية مثل الدراسة السابقة يمكن أن تكون مفتاحا للتشخيص والفهم لما يجرى اليوم من تغيرات تثير الاستغراب حتى لا نظل فى حالة الاندهاش كثيراً..!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف