الجمهورية
صلاح الحفناوى
رجع الصدي .. تأملات.. دولارية!
بشري سارة.. الدولار انخفض بضعة جنيهات في عدة أيام.. العملة الخضراء تترنح أمام الجنيه "المستأسد".. خبر غير سار.. الدولار يعاود الارتفاع بضعة قروش.. وما بين الارتفاع والانخفاض تبقي الأسعار ملتهبة لا تعرف التراجع.. ويبقي السوق مضطرباً لا يعرف الاستقرار.. ويبقي الفقير مطحوناً لا يعرف كيف يدبر حياته بقروش الراتب الزهيدة.
اعترف أنني لست متفائلاً بهبوط سعر الدولار.. ولا أظن أنه سيدوم أو سيصل إلي عشرة أو 12 جنيهاً كما يتوقع الخبراء.. ولذلك أسباب أظنها منطقية.. والحديث عن هذه الأسباب يقودنا حتماً إلي نهاية حقبة الستينيات وأوائل السبعينيات.. ففي نهاية الحقبة الناصرية كان سعر الدولار لا يتجاوز 18 قرشا.. أي أن الجنيه المصري كان يساوي 5 دولارات.. وكان ذلك عندما كنا لا نستورد إلا مستلزمات الإنتاج ولا شيء غيرها.
كان ذلك عندما كنا نشتري التكييف من كولدير ومنتجات الألبان من شركة مصر.. عندما كنا نشتري الثلاجة من ايديال والملابس من غزل المحلة وفستيا والعصائر والمعلبات من قها وادفينا والمعجنات من بسكو مصر.. عندما كنا نشتري مستحضرات التجميل والروائح من الشبراويشي.. والسيارة من النصر للسيارات والتليفزيونات من كاترون.. عندما كان لدينا ثلاثة آلاف مصنع منتج.. كان ذلك عندما كنا نعيش علي إنتاج ايدينا.
كان الدولار بلا قيمة.. عندما كنا ننام في العاشرة مساء لأن لدينا عملاً في اليوم التالي نؤديه بحب وحماس وتفاني.. كان ذلك عندما كان التليفزيون يختتم برامجه في العاشرة مساء باستثناء ليالي الإجازات.. لأن السهر ممنوع بقرارات شخصية وإرادة ذاتية لأن العمل شرف وواجب والإنتاج فرض عين.. ومنذ أوائل السبعينيات وحتي اليوم تغير الحال.. أصبحنا نسهر حتي الصباح وننام في مواقع العمل أو لا نذهب إليه.. أصبحنا نستورد كل شيء بعد أن تخلينا عن مصانعنا وعن الإنتاج والعمل لصالح الاستيراد.. أصبحنا نستورد سجادة الصلاة والملابس الجاهزة وفوانيس رمضان وأطعمة القطط والكلاب.
الجنيه انهار بفعل فاعل من زمن الانفتاح الاستهلاكي الذي كرس ثقافة التراخي.. انهار في زمن اللا عمل واللا إنتاج.. انهار في زمن تكريس الفوضي والبلطجة.. في زمن الاستثمار "الاستحماري" الذي لا يضيف صناعة ذات قيمة لاقتصادنا القومي.
الجنيه لن يتعافي إلا إذا توقفنا عن السهر علي المقاهي حتي الصباح.. إذا أغلقت المحال التجارية أبوابها من التاسعة مساء كما يحدث في كل دول العالم المتحضرة.. وقبل كل ذلك إلا إذا عدنا إلي الإنتاج والعمل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف