بوابة الشروق
سعيد السيد عيد الغنى
ثغرات فى قانون تنظيم الجامعات القديم
إن كل من يشغل منصبا إداريا لابد أن يتسم بالمصداقية والشفافية والحرفية الادارية، وهذه الأمور لكى تتوافر لا يكفى أن تكون ذا غزارة فى البحث العلمى أو أن تكون من المقربين لصانع القرار أو من أهل الحظوة، بل هناك فروق فردية وأناس اختصهم الله وحباهم بالقدرة على القيادة وألهمهم رجاحة العقل والفكر وهؤلاء فى الغالب بعيدون تماما عن متخذى القرار!. الغالب فى هذه التعيينات أنها يتوافر فيها شرطان هما: أهل الثقة ومن سيقولون سمعا وطاعة!.

فوفقًا لقانون تنظيم الجامعات ــ رقم 52 لسنة 2015 ــ بمجرد اختيار عميد للكلية يتم اختيار لجنة خماسية من الكلية والجامعة. وهنا لى عدة ملاحظات: أولا أكثرية اللجنة الخماسية من اختيار رئيس الجامعة وبالتالى لن يتم اختيار أحد إلا ممن يرضى عنهم رئيس الجامعة وليس بالضرورة أن يكون الأفضل! وهذا عيب كبير. تتم بعد ذلك التحريات اللازمة من قبل الرقابة الادارية والأجهزة الأمنية ثم ترسل أسماء الثلاثة المختارين إلى رئيس الجمهورية لإصدار القرار وهذا عيب ثان؛ فرئيس الجمهورية عليه من المسئوليات ما يكفى وليس فى حاجه لأن يخرج هذا القرار من تحت يده.

***
إن صانعى القانون يظنون أن فى هذا مجاملة لرئيس الجمهورية لكن هذا يعد تملقًا يؤدى فى كثير من الأحيان لتأخر صدور القرارات لسنوات!. هنا أتساءل هل الرقابة الادارية تتحرى عن كفاءة الشخص المتقدم من عدمه؟ الإجابة لا! وإنما هى تبحث عن سلامة ذمته المالية والجنائية وفقط ولا دخل لها فى الكفاءة من عدمه وهذا عيب ثالث لأنه يتسبب فى اختيار الأقل كفاءة. رابع عيب فى هذا القانون هو أنه فى حال لم يتم تعيين عميد لأى سبب يكلف رئيس الجامعة من يقوم بعمل العميد لمدة عام وهذا يزيد من سيطرة رئيس الجامعة منفردا على الجامعة ومواردها وهناك مئات الكليات التى بها منصب العميد شاغر وبعض رؤساء الجامعات كذلك!! وهذا يعتبر التفافًا على القانون حيث يعين رئيس الجامعة مسيرى أعمال للعمادة بقرار فردى منه ويكلف الوزير من يقوم بعمل رئيس الجامعة وطبعا أهل الثقة والمقربون هم المحظوظون! أى بدون لجان أو رقابة وخلافه وهذا بدوره يعطل العمل ولا يساعد على التطور والنمو!.

أستشهد هنا بما قاله أ.د السيد القاضى رئيس جامعة بنها فى تصريح لإحدى الجرائد الحكومية «نظرا لأن خطط التطوير والتحديث بأى كلية تحتاج إلى استقرار إدارى ورؤية وآليات للتنفيذ لكن هذا لا يتوافر فى كثير من الأحيان بهذه الكليات والجامعات التى بلا رئيس أو عميد وهذا يعنى عدم القدرة على اتخاذ أى قرارات فى صالح العملية التعليمية، وأصبح دور القائم بالعمل هو مجرد توقيع البوسطة، وتسيير الأمور فقط، ويعنى أيضا تعطيل عجلة التطوير والتحديث داخل المؤسسة التعليمية سواء كانت كلية أو جامعة».

إن هذا التخبط فى إدارة الجامعات أعتبره جريمة يرتكبها المجلس الأعلى للجامعات فى حق هذا البلد؛ فعلى مدار سنوات حارب رؤساء الجامعات أى خطوة تجاه تنفيذ نقلة تشريعية محترمة تتماها مع التطور ومع ما يطلبه السيد رئيس الجمهورية بأن يتم اختيار رؤساء كل المؤسسات بناء على الكفاءة، بل وللأسف نجح أعضاء المجلس الأعلى للجامعات فى تنصيب من يرغبون وإزاحة من لا يريدون وغلبوا المصالح الخاصة على المصالح العامة، ولم يتم حتى الآن عمل قانون محترم بحق يلبى كل الطموحات والآمال، لأن النظرات الضيقة لواضعى القانون تقف حجر عثرة فى عدم إتمام ذلك.

***
لما نتساءل ما سبب كل هذه الربكة وهذا التخبط قال بعضهم هناك تخوف من سيطرة أحد المنتمين إلى فصيل معين أو قسم بعينه على منصب العميد أو رئيس الجامعة. وإذا كان الأمر كذلك فهناك اقتراحان يضمنان عدم سيطرة أى توجه أو قسم على منصب العميد:

الاقتراح الأول يتمثل فى:

1ــ أن يتم انتخاب اثنين من كل قسم من أقسام الكلية ــ بصرف النظر عن عدد أفراد ذلك القسم ــ انتخابا حرا مع مراعاة أن يكونون من أعضاء القسم. 2ــ هؤلاء السادة المنتخبون من قبل الأقسام يعينون رئيسا لهم وأمين لجنة تتلقى طلبات من يرغبون فى الترشح بشروط ومعايير واضحة وعادلة. 3ــ بعد الفرز والطعون تختار اللجنة العميد الأكثر أصواتا بانتخاب حر نزيه فيما بينها. 4ــ يصدر رئيس الجامعة قرارا بتعينه فورا. هذا طبعا بعد الاستماع إلى عرض من المرشحين لبرامجهم والتحاور معهم فى كل القضايا المهمة من قبل اللجنة. بهذا نلغى سيطرة أى فصيل على العملية من أولها إلى آخرها لأنه لا يعقل أن يسيطر فصيل ما أو توجه ما على كل الأقسام بالكلية! وكذلك عدم سيطرة قسم ما على منصب العميد مستندا إلى كبر عدد أعضائه، وبالتالى نأخذ بأفضل الاختيارات ونبعد عن ترك عشرات الكليات الشاغرة على مستوى الجمهورية من منصب عميد يحقق آمال وطموحات زملائه، ونبعد عن تسلط رئيس الجامعة على العمداء وهذا هو الأنسب والأقرب للحكمة والأكثر احتراما لأساتذة الجامعات. ويمكن أن نعمم ذلك النموذج على اختيار رئيس الجامعة.

هناك اقتراح ثان يتمثل فى أن يكون الاختيار طبقا للقانون الحالى عن طريق اللجنة الخماسية ولكن بوضع معايير واضحة وشفافة لا لبس فيها تحدد كيفية الاختيار مع الإعلان عن فتح باب الترشيح وتكون اللجنة على الحياد. يعتمد جزء أساسى من هذه المعايير على استبيان يمثل 50 % من درجة التقييم، يحتوى الاستبيان على مجموعة أسئلة ــ 50 سؤال مثلا ــ على كل الجوانب التى يجب أن يغطيها المرشح للعمادة ومدى قبوله عند زملائه. يقوم كل قسم بترشيح 10 أعضاء منه بملء هذا الاستبيان، كل ذلك أمام اللجنة وتقوم اللجنة أمام كل الحضور بفرز الاستبيانات وإعلان النتيجة أمام الجميع انطلاقا من مبدأ الشفافية، ثم تضاف هذه النسبة إلى 50% المتبقية، والتى تخضع للمعايير المعلنة وبعد الاستماع إلى برامج كل المرشحين. وهنا نكون أخذنا رأى أعضاء هيئة التدريس فى من يتولى إدارة كليتهم وحتى لا نأتى بعميد غير مقبول من زملائه فنكون حكمنا على فتره العمادة بالفشل وعدم التعاون ونظل محلك سر كما هو حادث فى الكثير من الكليات.

***

من العجيب أن يكون منصب رئيس الجمهورية بالانتخاب ومجلس النواب ــ ثانى أعلى سلطة ــ بالانتخاب ونرفض أن يكون هناك أى رأى لأعضاء هيئة التدريس فيمن يتولى قيادتهم داخل الجامعات! فالواقع أنه لن يكون هناك أى تعاون أو تقدم إلا إذا كان هناك انسجام كبير بين القائد والمرءوسين وبغير ذلك لن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. فلننظر إلى ترتيب الجامعات المصرية فى التصنيف العالمى وننظر كم عدد الكليات الحاصلة على الجودة لكى تدرك خطورة الوضع الحالى. نرجو أن ينتبه صناع القرار إلى أن الكراسى زائلة والباقى هو العمل المحترم النزيه والتاريخ لا يرحم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف