جمال سلطان
عن إبراهيم عيسى وحرية الرأي في مصر
أدلى الزميل إبراهيم عيسى بأقواله أمس أمام النيابة العامة في تحقيقات خاصة ببلاغ تقدم به مجلس النواب ضده يتهمه بالإساءة إليه في مقالات منشورة بصحيفته ، وهو بلاغ يعزز من كآبة الصورة العامة للحريات في مصر وأوضاع الديمقراطية وضيق الأفق السياسي ، وبطبيعة الحال أستنكر وأستقبح سيل البلاغات للنيابة ضد الكتاب والصحفيين بشكل شبه يومي ، سواء إبراهيم أو غيره ، ومن قبل مسئولين في الدولة ينبغي أن يكونوا على قدر المسئولية واحتمال النقد باعتبارهم شخصيات عامة ، وأعتبر أن لجوءهم إلى النيابة بصفة مستمرة ، رغم امتلاكهم لمنابر إعلامية ضخمة يمكنهم الرد من خلالها ، يكشف عن نزعة تهديد لأصحاب الأقلام ونشر الإرهاب والخوف من الكلمة الحرة ، هو تكميم للأفواه بطرق أكثر نعومة . تضامن كثيرون مع إبراهيم عيسى ، بسبب وجود بلاغ ضده ، منظمات وشخصيات سياسية وأحزاب وصحف ونشطاء ، أعلنوا استنكارهم لما جرى لإبراهيم عيسى ، أي التحقيق معه في بلاغ مجلس النواب ، كما تحدث إبراهيم للإعلام بعد التحقيق بلغة "عالمية" عن أهمية حرية الرأي وأنها الباب للنهضة ولا يمكن أن تبنى الدولة على تكميم الأفواه ، وهو كلام جميل ورائع ، غير أن المشكلة أننا لا نسمع به عادة إلا عندما تمس المضايقات أشخاصنا ، أو أحبابنا ، أو أحد أبناء الشلة ، أو أحد أبناء القبيلة السياسية أو الأيديولوجية ، هنا فقط نتذكر تلك المعاني الجميلة والنبيلة ، أما عندما يسحق الآخرون ، الذين نختلف معهم أو لا نحبهم أو لا نستظرفهم ، أو أن يتم ترويعهم بالبلاغات والتحقيقات ، فهنا تختفي تلك المعاني الجميلة ، ويلزم الجميع الصمت ، ولذلك كنت سأصدق إبراهيم عيسى أكثر لو أنه قال هذا الكلام عندما كان عشرات من زملائه الإعلاميين والصحفيين والكتاب يستدعون للتحقيق على خلفية كتاباتهم أو يطاح بهم أو يهددون أو تصادر منابرهم أو يحظر ظهورهم أو ينفون من الأرض . كنت أتمنى لو أن هذه "الهوجة" التي تتحدث عن حرية الرأي وتتضامن ابراهيم عيسى ، قد تضامنت معي أو مع الزميل هشام يونس رئيس تحرير بوابة الأهرام ، عندما تقدم وزير العدل الأسبق المستشار أحمد الزند ببلاغ للنائب العام ضدنا وطالب بحبسنا بسبب ما نشرناه عن بعض سلوكيات نادي القضاة عندما كان يرأسه ، وكان الزند يستعرض عضلاته علينا في الفضائيات المختلفة مهددا لنا بالسجن وأنه سيسجننا في الشتاء تحديدا ، حتى نعرف معنى النوم على "البرش" حسب كلامه في تسجيلات بالصوت والصورة نحتفظ بها ، يومها غاب إبراهيم عيسى ، ولم يتذكر حدوتة حرية الرأي وحماية أصحاب الأقلام ونسي "فريضة" التضامن مع الكتاب والمفكرين ونسي أن يذكر الزند وزير العدل بأن الدولة لا تبنى على قصف الأقلام أو تهديد أصحاب الرأي ، كذلك غابت "المظاهرات" الإعلامية لنشطاء وحقوقيين وقيادات سياسية وحزبية وإعلامية ، لم يتذكر أحد أننا مهددون بالحبس بسبب كتاباتنا ، لم يتذكر أحد أن وزير العدل يحيلنا إلى "القضاء" الذي يشرف عليه ويعلن أنه سيحبسنا من خلال القضاء وينكل بنا ، غاب الجميع ، والتزموا الصمت ، ولم يصدر بيان واحد في طول مصر وعرضها ، ربما كانوا مشغولين بما هو أهم ، ربما ، ربما رأوا أن جمال سلطان وهشام يونس ليسوا من أبناء القبيلة ، ولا من "الشلة" ، ربما رأوا أن التضامن معهم تكاليفه أكبر من تكاليف التضامن مع إبراهيم عيسى صديق الرئيس السيسي والذي تباهى بأنه كان يجتمع معه مرة كل أسبوع أيام كان مديرا للمخابرات الحربية ، والإعلام الوحيد الذي تذكرنا هو الإعلام "الأجنبي" ، مثل قناة بي بي سي أو قناة الحرة . ما زال الطريق طويلا أمامنا في مصر حتى نستحق الحرية ، ما زالت المسافة بعيدة بيننا وبين الإيمان الحقيقي بالديمقراطية والحريات العامة كمنظومة سياسية وأخلاقية وإنسانية شاملة ، ما زال ميراث الإقصاء والاستبداد كامنا في جذورنا الفكرية والروحية ، وهو أقوى كثيرا من طلاء تحسين الوجه والصورة الذي نتجمل به في المناسبات عندما نتحدث عن الحريات العامة وحقوق الإنسان والحق في الاختلاف والتعددية وأن تضحي من أجل حرية المختلف معك كما تضحي من أجل حرية المتفق معك ، ما زال المشوار طويلا ، وأعتقد أن خسارتنا لثورة يناير وجميع مكاسبها ، يعود بالأساس إلى غياب هذا الجوهر الأخلاقي والإنساني ، لم نكن نستحق تلك الثورة النبيلة ، كانت أكبر من إنسانيتنا .