المصريون
طارق عبد الجابر
من قتل ممدوح شكري !!؟
بين الفن والسياسة ليست ثمة مسالك مرسومة سلفا للعلاقة بين العالمين..العلاقة - بصيغة أصح- هي بين الفنان والسياسي.. وسلوك كل من الطرفين هو الذي يعطي معنى للحرفتين.. هل يختار الفنان أن يضع نفسه في حضن سلطة تحميه وتفسح له مكاناً في الهرم السياسي للاستفادة من الريع المادي والاعتباري، أم يخوض المغامرة الصعبة في شق طريق الإبداع المستقل المدافع عن قيم الحق، حتى وإن صادمت خيارات السلطة وإملاءات المجتمع؟ وهل يقبل السياسي أن يخلي مساحات اجتماعية تنبت فيها أصوات الحرية والإبداع خارج مدار الممارسة السلطوية أم يرتضي وقوف الفنان في طابور الجنود المؤتمرين بسطوته؟ فماذا يتبقى إذن من جوهر الفن؟ الصراع الحقيقي للرقابة مع السينما!! ما أكثر الأفلام التي تم منعها من العرض، فمنها أفلام تاريخية، وأفلام سياسية، أفلام رومانسية ، فقد تعددت الأسباب و المنع واحد، وهناك أفلام أخرى تم منعها بعد صدور أوامر من جهات سيادية، و أمنية نظرًا لوجود بعض المصطلحات و الكلمات التي تم استخدامها في هذه الأفلام. ومنذ أسبوعين كنت نوهت على أزمة المخرج العبقري "سعيد مرزوق "مع الرقابة والتدخلات السياسة في منع فيلمين لة وهم (المذنبون – وإنقاذ ما يمكن إنقاذه) لكن هنا لابد التذكير بأن الصراع الحقيقي للرقابة مع السينما، فقد بدأ بعدما تولى يوسف السباعي وزارة الثقافة قبل الحرب، إذ مُنعت أربعة أفلام من العرض، هي "العصفور" و"زائر الفجر" و"التلاقي" و"جنون الشباب"، وهنا ابتكرت الرقابة أداة الحذف من الأفلام بدلاً من منعها، ووقع "زائر الفجر" ضحية حذف عدد من مشاهده، التي تحتوي على صور من الفساد الإداري أو الأداء البوليس للدولة في فترة ما قبل النكسة. ثم جاءت أزمة فيلم "المذنبون" لسعيد مرزوق، الذي تعرضت مشاهده للحذف -أثناء عرضه- أكثر من مرة، فبالرغم من أن الفيلم فاز بجائزة وزارة الثقافة كأحسن فيلم مصري عرض في العام 1976، إلا أن الوزارة نفسها أحالت 15 شخصًا من العاملين والعاملات في الرقابة للنيابة الإدارية بسبب موافقتهم على عرضه وتصديره، ووصلت الاتهامات التي وجهت للمتهمين حد اتهامهم بالخيانة العظمى زائر الفجر يقتل مخرجة !!! زائر الفجر اسمحوا لي في هذا المقال أن أتحدث عن فيلم تسبب في مقتل مخرجة !! أنه فيلم زائر الفجر الذي أنتج عام 72 من القرن الماضي وعرض عام 75.. نعم هذا الفيلم تسبب في مقتل المخرج (ممدوح شكري ) ليس بسبب فشله تجاريا مع أن الفيلم فشلا تجاريا عندما عرض بعد 3 سنوات من إنتاجه ولكن لو عرض في نفس السنة التي تم تصويره لكان حقق نجاح باهر ..لكن للأسف الفيلم عرض بعد ثلاث سنوات من إنتاجه مع العلم أن هذا الفيلم وكان حديث الوسط الثقافي والأدبي في مصر في ذلك الوقت. هذا الفيلم من إنتاج الفنانة "ماجدة الخطيب" التي ضحت بكل ما تملكه من أموال من أجل إنتاج هذا الفيلم الذي يدخل ضمن قائمة المائة فيلم في تاريخ السينما المصرية. فيلم زائر الفجر ، هو فيلم سياسي مصري ، تم إنتاجه في عام 1973 ، و هو من الأفلام التي منعتها الجهات السيادية أثناء فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، و تم منعه من العرض بعد أسبوع واحد من عرضه. لماذا لأن هذا الفيلم " زائر الفجر" أثار في وقت عرضه ضجة كبيرة ، بسبب احتوائه على بعض المشاهد التي تتهجم على النظام في ذلك الوقت، و بسبب الفترة التي كان يعرض فيها، حيث كانت تمر مصر حينها بأوقات عصيبة، و تذبذب في الوضع السياسي والاقتصادي أثناء تلك الفترة الرقابة الفنية في عصر "السادات" وهنا لابد من الإشارة قبل الخوض في موضوع الفيلم إلى القول والتذكير لهذا الجيل "أن فترة السبعينيات من القرن الماضي شهدت أقوى وأعنف صدام بين حكومات "الرئيس السادات" وصناع السينما المصرية، حيث تم منع عرض عشرات الأفلام بعد تصويرها بسبب الإسقاط السياسي الموجودة في هذه الأفلام, ومن ضمن هذه الأفلام منع عرض فيلم «زائر الفجر» الذي عرض لمدة أسبوع واحد فقط، وأصيب فريق العمل بإحباط كبير، خاصة أن ماجدة الخطيب هى التى قامت بتحمل نفقات الفيلم، فحاولت ماجدة الخطيب مقابلة الرئيس السادات لتطلب منه إجازة فيلم «زائر الفجر» إلا أن طلب مقابلة الرئيس السادات فى ذلك الوقت قوبلت بالرفض ، الأمر الذى أصاب مخرجه ممدوح شكرى بالاكتئاب إلى حد الموت وقد قيل ايضا حول هذا الفيلم الذى كان حديث الوسط الثقافي والأدبي فى ذلك الوقت أن مخرج الفيلم والممثلين والمنتجة تعرضوا إلى أنواع كثيرة من التهديدات وتحذيرات من جهات أمنية و سيادية عليا وذلك بسبب احتواء مشاهد وأجزاء من الفيلم إلى عبارات ساخنة تهدف إلى قلب نظام الحكم وقد قيل في مبررات المنع من قبل الأجهزة الأمنية أنها قامت بعملية المنع خوفًا على التأثير على المواطنين بسبب بعض المشاهد التي صنفت كمشاهد حساسة خاصًة في ذلك الوقت عام 1972.. كان منع فيلم "زائر الفجر "ضربة شديدة الوطأة لمنتجته ماجدة الخطيب.. وقد تعرض ممثلوه أيضا لنوع من "التحذير" من جانب الأجهزة الأمنية، لأن الفيلم في مضمونه كان "ساخنا" بالفعل، وكانت تتردد فيه عبارات تقول على سبيل المثال: (البلد دي ريحتها فاحت.. عفنت.. بقت عاملة زي صفيحة الزبالة.. لازم تتحرق. الأسباب الحقيقية للمنع !!! دعونا نتعرف عن قصة الفيلم لكي نعرف هل هذا الفيلم يستحق المنع أم لا ؟؟وما السبب الحقيقي لهذا المنع !!! تحكى قصة الفيلم التي وضعها السينارست رفيق الصبان مع المخرج ممدوح شكرى .. يحاول وكيل النيابة (حسن الوكيل) تتبع خيوط وفاة مناضلة سياسية ومناضلة كانت تسبب إزعاجًا للسلطات والنظام السياسي تدعى (نادية الشريف). تبدأ الأحداث أقل برودة في البداية ولكن سرعان ما يكتشف (حسن) حجم الفساد الداخلي والقمع الفكري والابتذال الذي يحدث في أجهزة أمن الدولة. ويكتشف حجم الفساد الإجتماعي الذي يضرب جذوره في مصر. وبرغم من أن التقرير الرسمي لوفاتها يحدد أن سبب الوفاة هو "هبوط في القلب" إلا أن التحقيقات تتصاعد بكشف شبكة دعارة ورائها سياسيون ويصل الأمر إلى أن يأمر أحد كبار رجال النظام بوقف التحقيق .. وبالبحث حول ملابسات وفاتها تتسع دائرة الجريمة من كونها وفاة طبيعية إلى جريمة قتل معنوية في المقام الأول نتيجة للفساد الاجتماعي والقمع السياسي وملاحقة المعارضين وتصفيتهم إما جسديا أو معنويا. من منظور الأفلام السياسية الثورية كان فيلم "زائر الفجر"، أحد الأفلام "الثورية" السياسية النادرة في تاريخ السينما المصرية، وكان منطقه من القوة بحيث جعل السلطات تخشى من تأثيره الكبير المحتمل على الجماهير. وقد أدى منع عرض الفيلم كما سبق الإشارة أدى إلى إصابة مخرجه ممدوح شكري بالاكتئاب لفترة، مما جعله يهمل في صحته فأصيب بمرض حاد - بالاكتئاب والذبحة الصدرية- نقل على أثره إلى مستشفى الحميات بالعباسية، حيث صعدت روحه إلى بارئها قبل أن يشهد التصريح بعرض فيلمه ولو مبتور وكان أصدقاء وزملاء ممدوح شكرى بعد وفاته ودفنه في ملوى أقاموا جنازة رمزية له بالقاهرة أصدروا بعدها التماسا للمسئولين بعرض فيلم زائر الفجر دون حذف لتركه أمانة للجماهير التي وهبها المخرج عمره الفنى القصير لكن الرقابة أجازت عرضه بعد حذف أكثر من عشرين مشهدا منه وللأسف الشديد المخرج ممدوح شكرى توفى قبل أن يتدخل الفنان سعد الدين وهبة لإعادة مناقشة الفيلم. ملحوظة لابد أن نتذكر أن فيلم زائر الفجر" يعتبر هو الفيلم الثاني لمخرجه ممدوح شكري بعد فيلمه الأول "أوهام الحب" (1970)، وبعد اشتراكه في إخراج فيلم مكون من ثلاث قصص. وكان "زائر الفجر" قفزة نوعية كبيرة في الأسلوب واللغة والبراعة الحرفية في تنفيذ المشاهد والسيطرة على أداء مجموعة كبيرة من الممثلين شاركت في الفيلم "عزت العلايلى وماجدة الخطيب وتحية كاريوكا ورجاء الجداوى ويوسف شعبان وسعيد صالح وزيزى مصطفى. جمعيات التنوير الثقافي تتحدى السادات !!! هناك شيء هام لابد ذكره هنا أن فيلم "زائر الفجر" للمخرج الراحل ممدوح شكري عرض في عرض أول قبل العرض التجاري العام في يناير 1973 في جمعية الفيلم ثم عرض في نادي القاهرة للسينما... في ذلك الزمان، كانت الدنيا غير الدنيا، والناس غير الناس، والسينما غير السينما أيضا. أبناء هذا الجيل لا يعرف أن في مصر في القرن الماضي كان يوجد مراكز ثقافية تنويرية خاصة بالسينما ويطلق عليها "جمعية الفيلم ونادي السينما"، كانا من أكثر المنابر السينمائية احتراما، وكانا يقدمان التحف السينمائية وفيهما تعلم هواة السينما التفكير والتأمل في السينما وفهم آلياتها ولغتها. الكبت والحرمان السياسي !!! سنوات الكبت والحرمان السياسي لم تجلب سوى الهزيمة والتراجع!!!. وقد ظهر فيلم "زائر الفجر" في تلك الأجواء، وكان يعبر أفضل ما يمكن عنها، وفيه يصور ممدوح شكري ببراعة وحساسية خاصة، مجتمع الهزيمة من خلال دراما معقدة مدخلها هو التحقيق في مقتل صحفية شابة متمردة – ماجدة الخطيب- كانت تحاول أن تفهم لماذا حدث ما حدث ومن المسئول عما وصلت إليه البلاد من تدهور على مستوى البنية التحتية، وأصبحت أجهزة الأمن تلقي بوطأتها الثقيلة على حياة الناس، تتجسس عليهم، وتصفي حساباتها وصولا إلى القتل، مع كل من لا يعجبها سلوكه، أو بالأحرى مع كل من يغرد خارج السرب، ويسعى لمعرفة الحقيقة. وكان المحقق الشريف- عزت العلايلي- يسعى بكل ما يمكنه من جهد، للوصول إلى الحقيقة وراء مقتل الصحفية، رافضا الاتصياع للضغوط التي تمارس عليه من أعلى الجهات. كان يفترض أن الفيلم يدور في مجتمع ما بعد الهزيمة مباشرة أي في العهد الناصري، وكان يدعو بوضوح إلى التغيير، ويتساءل عن المسؤولين عما جرى، بل ويبدي تعاطفا واضحا مع القوى الثائرة التي تحمل الهم الوطني على عاتقها.. وفي الفيلم يقوم شكري سرحان بدور لا يمكن نسيانه أبدا، هو دور المناضل الوطني الذي يعيد إحياء خلية نضالية مع رفاق الماضي من أجل استئناف النضال بعد أن أدرك أن منطق "تفويض الزعيم" نيابة عن الشعب قد فشل ولم يؤد سوى إلى الكارثة التي وقعت. ولاشك أن الفيلم في بنائه الذي يعتمد على إعادة رواية ما وقع (أي ما وقع للبطلة القتيلة) من وجهات نظر متعددة، كان متأثرا على نحو كبير، ببناء فيلم "زد" Z الذي كان قد ظهر قبل ذلك بفترة قصيرة وحقق أًصداء هائلة ومنعته الرقابة من العرض في مصر تخوفا من تأثيره الكبير على طلاب الجامعة الثائرين قبل حرب 73 ولاشك أيضا أن الأصل في هذه البناء المركب، الذي اقتبسه كاتب سيناريو الفيلم رفيق الصبان، واستعادة الرواية من وجهات نظر عدة، هو فيلم "راشومون" Rashmon العظيم للمخرج الياباني الراحل أكيرا كيروساوا. ولذا قد منع عرض "زائر الفجر" من العرض العام بعد أيام من عرضه بسبب قوة تأثيره وحساسية الفترة واهتزاز الوضع السياسي. ما الذي يعنيه نجاح ـ زائر الفجر!!! ـ هناك دلالات وراء نجاح هذا الفيلم أخطر من بقائه في دار العرض سبعة أسابيع أو ثمانية أو أكثر أو أقل .. فى الوقت الذى تحاصره أفلام أصبحت تتسول النجاح بالحديث فقط عن الحب وكأنه مشكلة مصر .. وتتصور أنها يمكن أن تضحك على الناس إلى الأبد بالمايوهات والضحكات الكاذبة وطرقعة القبلات وبيع لحم النساء الأبيض في علب الأفلام.. إن "زائر الفجر" يخاطب الناس في عيونهم .. لا يخدعهم ولا يساومهم ولا يضحك عليهم بأغنية أو رقصة أو صدر امرأة .. انه على العكس يخاطبهم في قسوة ليفتح عيونهم على واقعهم ويحدثهم عن الشر الذي يأكل حياتهم وحريتهم .. والشرير في ـ زائر الفجر ـ ليس فريد شوقي أو توفيق الدقن وعصابة المخدرات القابعة في الكباريه.. إنما هو شىء أكبر من هذا وأكثر صدقا.. إنه عصابة حقيقية من مراكز القوى والإرهابيين والتجار الكبار والمرتشين والإنتهازيين وتجار الكلمات والنسوة الداعرات .. وهى عصابة حقيقية لا تقبع في كباريه وهمي وإنما تعشش في مراكز أكبر من هذا طوال سنوات الرعب والظلام التي كانت تقتل الشرفاء وتلوثهم وتسلب حريتهم وحقهم في التفكير وفى حب مصر بدلا من سرقتها وهزيمتها .. ومجرد عرض "زائر الفجر" هو انتصار للحرية .. وقيمة ممدوح شكري العظيمة إنه بعد أن رحل اكتشفنا جميعا أن ما حاول أن يقوله منذ ثلاث سنوات في هذا الفيلم كان حقيقيا .. وأننا أصبحنا نقوله جميعا الآن علنا وعلى كل المستويات.. وإقبال الجماهير على هذا الفيلم يؤكد أن الناس وجدت فيه نفسها بالفعل .. وأنها وجدت أخيرا من يقول لها وباسمها شيئا لم تكن هي تعرف كيف تقوله .. وبعد أن مات ممدوح شكري يؤكد فيلمه الأخير انه كان سينمائيا عظيما .. وأنه كان أفضل مخرجي جيل الشباب موهبة وأكثرهم وعيا ورفضا للمساومة وتقديما للتنازلات من أجل مزيد من الأفلام ومزيد من الفلوس وقيمة فيلمه ليس فقط انه قدم موضوعا جيدا وإنما قدم أيضا سينما جيدة .. والدلالة الأخطر من هذا كله أن جمهورنا إذن لا يرفض السينما الجيدة .. وأنه ما زال جمهورا يقظا يطلب سينما يقظة لا يقدمها له أحد .. أن هناك أملا إذن .. والصورة ليست قاتمة تماما كما يزعم تجار السينما .. ومطلوب بعد "زائر الفجر" أن يعيد شباب السينما المصرية حساباتهم وأن يحاولوا أن يبدأوا تيارا .. فلم يكن ممدوح شكرى إلا واحد منا .. ولا يمكن أن يكون الوحيد. إعادة عرض...!! في مارس عام 1975 وافقت الرقابة على المصنفات الفنية على إعادة عرض قيلم «زائر الفجر» بعد منع عرضه أكثر من عامين. لكن عرض كما نوهنا من قبل أولا قبل العرض التجاري العام في يناير 1973 في جمعية الفيلم ثم عرض في نادي القاهرة للسينما. ولم تسمح الرقابة بعرضه إلا عام 1975 أي بعد أكثر من ثلاث سنوات وبعد أن استبعدت منه عشرات اللقطات التي لم يتم أبدا استعادتها بعد ذلك، بل إن الفيلم لايزال ممنوعا من العرض بالتليفزيون المصري حتى يومنا هذا ملحوظة لابد أن تذكر فيلم "زائر الفجر "كان البداية الحقيقية فى السينما للدكتور رفيق الصبان حيث ظهرت موهبته ككاتب وناقد وسيناريست سوري واسمه الحقيقي محمد رفيق الصبان عمل لفترة أستاذاً لمادة السيناريو في معهد السينما، وكتب أكثر من 25 فيلمًا سينمائيًا، وأكثر من 16 مسلسلاً وحصل على وسام الفنون والآداب الفرنسي بدرجة فارس . ثم توالت أعماله المثيرة للجدل داخل المجتمع منها قطة على نار وليلة ساخنة والباحثات عن الحرية. السينما أولي بشائر الهجوم على أجهزة عبد الناصر!!! هجوم السادات على عهد عبد الناصر لم ينتظر كثيرًا، وبدأت السينما في العام 71 بإنتاج أفلام تهاجم الحقبة الناصرية، ودور الفساد في نكسة يونيو، وكانت البداية بفيلم "زائر الفجر"، في العام 71، وحاول أن يفنّد الأسباب التي أدت إلى هزيمة 1967 بينها حالات الاعتقال والسجن لعناصر وطنية مخلصة، كانت تحاول إلقاء الضوء على عناصر الضعف والسلبيات التي أصابت أجهزة الدولة، وفق تصور السادات لمصطلح "مراكز القوة. كان « زائر الفجر » أولي بشائر الهجوم المباشر والصريح على أجهزة عبد الناصر الأمنية التي ما زالت في السلطة بعد وفاته في سبتمبر ١٩٧٠ وتولي أنور السادات .. جاء الفيلم تعبيراً سينمائيا عنيفا ضد توغل تلك الأجهزة وتأثيرها المرعب على الحياة في مصر ، لكن السيناريو الذي تشارك الصبان مع مخرجه في كتابته، جاء محمَّلاً بجرعة إنتقادية حادة تتجاوز حدود المسموح بالنسبة لهذه الأجهزة في تلك الفترة فقد أدان بشكل الإنتهاكات الهمجية التي تمارسها وأشار بشجاعة إلى أن "حاميها .. حراميها " فانهال مقص الرقيب على مشاهده بتراً وتمزيقا وصل إلى حذف عشرين دقيقة منها. "عبارات تقول على سبيل المثال: البلد دي ريحتها فاحت.. عفنت.. بقت عاملة زي صفيحة الزبالة.. لازم تتحرق هناك معلومة لابد أن نذكرها أن الفنانة ماجدة الخطيب التقت في أحد الأيام مع المخرج "ممدوح شكري" وعرض عليها ّ فكرة الفيلم في خمس صفحات، فشدتها وأعجبت بها، وطلبت منه أن يستعين بأحد معه في كتابة السيناريو لأنها من خلال متابعتها لأفلامه الأولى وجدت أن السيناريو عنده ضعيف، وبالفعل اتفقنا مع رفيق الصبان وكتب سيناريو فيلم "زائر الفجر" في منزلها ، وبدأت عرض الفيلم على منتجين كبار على مؤسسة السينما ولكنهم قابلوا فكرة الفيلم بالرفض التام، فوجدت أن أحلام ممدوح شكري وآماله ستضيع فقررت خوض تجربة الإنتاج، وعانت كثيرا من الرقابة وظل الفيلم في العلب لمدة 5 سنوات، وخسرت فيه مادياً لكنه على المستوى النقدي نجح جداً. وبعد ذلك أنتجت أفلام "توحيدة" و"في الصيف لازم نحب" و"الهروب من الخانكة" و"البيت الملعون". فيلم زائر الفجر الذي اعتبر من أفضل ‏100‏ فيلم مصري في استفتاء مئوية السينما المصرية يستحق المشاهدة. خلاصة الكلام السينما فن تعرية، يعري القشرة الخارجية الزائفة حول الواقع وحول الإنسان في الواقع، يكشف عن الحقيقة ويعري الكذب، ومهما بلغ الفيلم في تصوير الحياة إلا أنه ليس بديلا عن الحياة فالسينما ليست هي الواقع، وليست محاكاة للواقع، بل "رؤية" للواقع، حالة فلسفية لمعنى أن نحيا وأن نشاهد وأن نتأمل. ولعلنا بعد ذلك، نخرج إلى الحياة ونحن أكثر قدرة على الفهم والمعرفة، وعلى الاستمتاع. السينما توجد في قلب الحياة، لكنها ليست بديلا عنها، والحياة بدون السينما تجربة ينقصها الكثير من الحياة

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف