المساء
مؤمن الهباء
لا تغضب يا ساويرس
لا أدري لماذا فوجئ رجل الأعمال الشهير. نجيب ساويرس. من انقلاب رجاله عليه في حزب "المصريين الأحرار" وفصله من الحزب الذي صنعه علي يديه.. هل كان يتوقع نهاية غير هذه؟!.. أليست هذه طبيعة الأحزاب والحياة الحزبية في مصر؟!.. أي حزب قبله نجا من هذه اللعنة حتي ينجو حزبه؟!!
لقد نجح الرجل في أن يشكل حزباً قوياً بعد ثورة 25 يناير.. وأن يصبح بهذا الحزب لاعباً سياسياً بارزاً.. وأن يجاهر بقدرته المالية علي شراء الأصوات والمرشحين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. بل وشراء النواب الذين نجحوا في الانتخابات كي ينضموا إلي حزبه أملاً في تكوين أغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة. أو الدخول قوياً في حكومة ائتلافية.. فقد قالها بصراحة أثناء الانتخابات: إن الحزب الذي سينفق أكثر هو من سيفوز بأكبر عدد من المقاعد.
دائماً كانت حساباته بالمال.. المقعد البرلماني يساوي كم مليوناً من الجنيهات.. والمرشح المضمون نجاحه يساوي كم مليوناً من الجنيهات.. ووضع نظاماً للحزب يضمن له البقاء في مكان أعلي من كل المواقع القيادية التي تتغير وتتبدل دورياً.. فصار رئيساً لمجلس الأمناء الذي يضع السياسات ويحدد الخطوط الفكرية للحزب الليبرالي. ويضمن له التمويل المستمر.. لكن ممارسات الحزب وممارسات ساويرس نفسه كانت بعيدة كل البعد عن الليبرالية المزعومة التي لم تكن أكثر من غطاء خادع ومزيف.
ولما كانت قيادة ساويرس تعتمد علي المال. فقد كان سهلاً علي المنقلبين عليه أن يجدوا من يدفع لهم أكثر.. وأن يتهموه بأنه خلق لنفسه وضعاً قريباً من وضع "المرشد" في جماعة الإخوان.. وأنه لم يكن الممول الوحيد للحزب في الواقع.. وأنه كان يريد السيطرة علي الحزب وتحريكه منفرداً من وراء الستار.. وهكذا انفجر الصراع الداخلي.. واجتمعت الجمعية العمومية للحزب لإلغاء مجلس الأمناء. وفصل ساويرس وإحالته إلي التحقيق.. وانتهي الأمر إلي اللجوء إلي القضاء ولجنة شئون الأحزاب. لحسم الصراع بعد أن تحول من صراع سياسي وحزبي إلي قانوني وإداري.
هذه التجربة الحزبية ليست جديدة علينا. ولا علي الأخ ساويرس.. وليس له أن يغضب وينزعج. ويثور كل هذه الثورة.. فحاله من حال كثيرين.. شكلوا أحزاباً.. كبيرة كانت أو صغيرة. أو حتي مجهولة.. التجربة ببدايتها ونهايتها معروفة ونمطية ومكررة إلي حد الملل في الحياة الحزبية المصرية منذ أن عادت الأحزاب بقرار فوقي من الرئيس السادات في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
الأزمات والصراعات الحزبية متشابهة.. فالأحزاب لم تقم علي أفكار واضحة.. ولا فروقات جوهرية بينها.. ولا مؤسسية تحكمها. وتفتقد إلي الالتزام الحزبي.. وتعبر عن خليط من اتجاهات غير متجانسة تتأرجح بين اليمين واليسار.. تحكمها المصلحة لا أكثر.. ولا تحتكم في ممارساتها الداخلية إلي الديمقراطية.. أساساً لا تعرف عن الديمقراطية إلا اسمها وشعاراتها.. ولذلك سرعان ما يدب فيها الصراع والتكالب علي المناصب والنفوذ.. ويسهل اختراقها. فتحدث الانشقاقات والانقلابات والاستقالات.. حتي يذهب الحزب إلي التجميد أو الحل.
حدث ذلك قديماً مع أحزاب "مصر الفتاة" و"العمل" و"الأحرار" و"العربي الناصري" و"التجمع".. بل إن حزب "الوفد" أعرق الأحزاب جميعاً. عاني كثيراً من الصراع بين نعمان جمعة. ومحمود أباظة.. ثم بين السيد البدوي ومجموعة فؤاد بدراوي.. ولا ننسي "حزب مصر" الذي أسسه السادات نفسه. ثم تركه للصراعات تنهشه.. وحزب "الغد" الذي أسسه أيمن نور. وانشق عنه "غد الثورة".
ولم تنج من الصراعات والانشقاقات أحزاب ما بعد ثورة 25 يناير.. ونحن نتابع اليوم صراعات حزب "المؤتمر" الذي أسسه عمرو موسي. ثم تركه إلي "الوفد".. وحزب "الدستور" الذي أسسه محمد البرادعي. ثم تركه يحتضر.. وكذلك حزب "النور" السلفي الذي خرج منه حزب "الوطن".
هناك عشرات النماذج علي هذا المنوال.. كانت البدايات واحدة والنهايات واحدة.. بل وتطابقت الاتهامات التي انطلقت بين الفرقاء.. وفي بعض الأحيان كانت الأحزاب تتآمر وتشارك في تدمير هذا الحزب أو ذلك. أملاً في أن تخلو لها الساحة.. لعدم إيمان الجميع بالديمقراطية والليبرالية والمنافسة الشريفة.
لا تغضب يا أخ ساويرس.. لأن "المصريين الأحرار" لم يكن استثناء من القاعدة.. يومى لك ويومى عليك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف