هي مدينة المليون مشكلة.. إذا قدت سيارتك اليها من المهندسين لمدة 30 دقيقة تصلها لكبعد أن تتراكم عليك القاذورات وطفح المجاري والغبار وخلافه.. بها أكبر مقلب زبالة في محافظة الجيزة.. يسكنها حوالي 2.7 مليون مصري ومصرية.. أنها «بشتيل» التي تعد أفضل نموذج للعشوائياتالمصرية سواء في المباني أو الخدمات أو السكان.. هي محرومة من اشياء كثيرة.. مؤخراً قرأت عنها مااصابني بالغم.. نائبهم الاستاذ محمود الصعيدي كتب خبراً لا تملك إلا أن تضحك له وتنساب في الوقت ذاته دموعك على مستوي الخدمات التي تقدم للسكان في القرن الـ 21 ..
بشرهم البرلماني الموقر بأنه سيتم رصف شارع «الحفرية» في بشتيل الشهر القادم «أبريل» بعد انتهاء الشركة من سفلته طريق محطة الكهرباء بأوسيم المجاورة.. بمجرد ظهور «البشري» على صفحات التواصل الاجتماعي انهالت طلبات الاهالي طالبين رصف شوارع الحرية والمسابك وشارع بشتيل العمومي والطريق بين مسجد «فلفل» والطريق الدائري وإصلاح المجاري التي تنفجر مواسيرها بصفة دائمة بالمنطقة.. ويبدو ان اسم «الحفرية» له اسقاط لغوي اذ تبدو القرية وكأنها مستخرجة من حفريات جيولوجية تعود لالاف السنين..
ذهبت اليها قبل 11 عاما عندما سمعت من زملاء يسكنون بأوسيم المجاورة لها، أن هناك قرية تشبه مساكن الانسان الاول ولا تمت بالمدنية الحديثة بصلة.. وكان سؤالي إلا يوجد في هذا المكان شئ ايجابي وحيد ..
وكان ردهم د. احمد مصطفي.. لا أعرفه شخصياً ولكن ما سمعته من سيرته جعلني أتأكد انه طبيب اسطوري من نسل ابقراط، ظهر في آخر الزمان ببشتيل.. في ظل الارقام الفلكية التي نسمعها للأطباء الكبار وساعات الانتظار الطويلة بعياداتهم ومع انعدام الانسانية في معظم المستشفيات الحكومية والخاصة، أرسل الله هذا الطبيب الانسان إلى تلك المدينة البائسة ليضع بسمة ولو شاحبة على وجوه أهلها الذين يعانون من كل شئ وأي شئ ..تصور ان هذا الطبيب كان كشفه خمسة جنيهات إلى ان تم قتله يوم الجمعه الماضي ..
اعتبره اهالي بشتيل ولي من اولياء الله.. يعطيهم الادوية مجانا من العينات التي تصل إليه من مندوبي الشركات الطبية.. المندوبون يذهبون اليه قبل أن يتوجهوا للعيادات الفاخرة بحي المهندسين المجاور، لأنهم يعرفون أن الادوية التي يصفها المرحوم د. احمد مصطفي ستلقي رواجا في تلك المنطقة كثيفة السكان، حيث يلجأ اليها المرضي عادة بعد أن تتحسن صحتهم عليها دون أن يذهبوا للدكتور أحمد مصطفي مرة أخرى وتسألهم فيقولون لك انه «مبروك»! وبينه وبين الله عمار!
ذاع طيته حتى بين فقراء حي المهندسين فقصدوه.. استضافته من فترة قناة فضائية لتكريمه لأنه من قلائل يساعدوا في ظروفنا العصيبة.. الأمن قام بتحريات عنه بعد أن لاحظ تدينه وعلامة الصلاة الغائرة في جبهته.. يوم الجمعه الماضي تم قتله بدم بارد بشقته في بشتيل.. لم يذهب لعيادته كما اعتاد.. المرضي قلقوا.. لم يخلف موعدا معهم منذ أن عرفوه.. طرقوا باب شقته التي يعيش فيها وحيداً.. وجدوه ملقياً على الأرض وجسمه به عدة طعنات بآلة حادة أخطرها في العنق والصدر.. كان قد انتهي من صلاة المغرب وتهيأ للمغادرة ..
الناس تسأل بحيرةولهفة.. ماذا كان يملك حتى يغتالوه.. معروف عنه انه أفقر ممن يعالجهم.. لم يكن له عداء مع أحد ولا تطلعت عيناه إلى ما في يد غيره ولا لهث خلف أموال أو استغلال.. يبدأ كشفه بابتسامه وينهيه بـ «الشفاء من عند الله».. حتى وقتنا هذا لم يتوصلوا إلى الفاعل.. لا أتهم الأمن بالتقصير ولكن كان الافضل ان يكون التحرك اسرع لمعرفة من اغتال طبيب الغلابة ..
جنازته يوم السبت الماضي التي خرجت من مسجد السلام كان استفتاء على شعبية رجل أحبه الله فأحبه الناس.. ولكن لأنه «غلبان» سيكتفي الجميع بمقولة «الله يرحمه»، مع أن غيره لو كان نجماً إعلامياً لظل متصدراً الصفحات الاولي للجرائد ونشرات التلفزيون عدة أشهر ولعلكم تذكرون مصرع المطربة ذكري وزوجها رجل الاعمال السويدي.. اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله ..