الوطن
اسامة الازهرى
مؤتمر الشباب الفلسطينى
تشرفت يوم الأحد الماضى بأن أكون محاضراً فى مؤتمر (تجديد الخطاب الدينى والقضية الفلسطينية)، المنعقد فى مدينة العين السخنة، الذى استضافت فيه مصر شريحة من الشباب الفلسطينى من مختلف الشرائح العمرية والتعليمية، ورتبت لهم على مدى يومين محاضرات مكثفة كان من ضمن المحاضرين فيها الدكتور مصطفى الفقى، والدكتور عبدالمنعم سعيد، بهدف صناعة الوعى لدى الضيوف الكرام.

وكانت محاضرة كاتب هذه السطور صباح الأحد، وامتدت على مدى ثلاث ساعات أو أكثر، كانت حافلة بالنقاش المفتوح الذى أتاح لى أن أرى عن قرب القضايا التى تشغل بالهم، واهتماماتهم، وهمومهم، وتطلعهم إلى مصر، وتعلقهم بها، وتعطشهم إلى معرفة صحيحة تفك الطلاسم وعلامات الاستفهام التى تحير عقولهم فى مختلف الملفات والقضايا المطروحة، مع تعطشهم الشديد إلى وعى دينى واضح ومأمون وعقلانى، ويحظى بالمصداقية والثقة.

وأحببت أن أعلق هنا عدة تعليقات على هذا المنتدى المهم:

أولاً: هذا التوجه من مصر شديد الأهمية، وهو امتداد للدور التاريخى لمصر، الذى كانت فيه منبراً للوعى وصناعة العقول والمعرفة، وقد تبلور لدى أجيال من وراء أجيال فى مختلف الدول العربية والإسلامية أن مصر تجلس فى مقعد الأستاذية، وأن العقول الكبيرة فى بلادهم قد تكونت فى رحاب مصر، ومن المهم رجوع مصر اليوم لإنشاء هذه الندوات الدورية المتكررة لاستضافة شرائح من شباب دول محيطنا العربى سعياً إلى تكوين وعى واضح وصحيح لديهم فى مختلف القضايا التى تمس منطقتنا العربية.

ثانياً: تحدثت مع الشباب الفلسطينى عن علماء فلسطينيين أجلاء، جاءوا إلى مصر وتعلموا فى الأزهر، وطالت مدة مجاورتهم وإقامتهم فيه، ثم رجعوا إلى بلادهم وتقلدوا مناصب القضاء والإفتاء والخطابة والتدريس، فما شهدت منهم البلاد والعباد إلا الأمان والعلم وجمع الشمل وتوحيد الكلمة، أمثال آل الشوا، ومنهم الشيخ حسن الشوا، والشيخ عبداللطيف الشوا، ومنهم آل الفاهوم، ومنهم الشيخ عبدالله الفاهوم وأمين الفاهوم وعبداللطيف الفاهوم، ومنهم آل بسيسو، ومنهم الشيخ أحمد بسيسو الكيالى، وولده الشيخ عمر، وحفيده الشيخ خلوصى، ومنهم آل شراب: الشيخ يوسف سالم شراب، والشيخ سليم شراب، وغيرهم كثير من العائلات العلمية الفلسطينية، المصرية الهوى، الأزهرية التعلم والتخرج، وكلهم عاشوا وماتوا قبل ظهور أنماط التدين المغلوط الإخوانى والداعشى والقاعدى، وقد ناشدت الشباب الضيوف أن يرجعوا إلى جذورهم، وأن تتضح لديهم الفوارق الضخمة بين هذين النمطين من التدين: نمط جرى على يد علماء فلسطينيين أزهريين كبار، كالعلماء المذكورين، وكان أثرهم على المجتمعات حافلاً بالأمان وحفظ الأوطان، ونمط التدين التكفيرى الذى يجب علينا جميعاً مواجهته.

ثالثاً: تحدثت معهم أن من أهم قضايا تجديد الخطاب الدينى صناعة خطاب دينى يرسخ فى الناس الاعتزاز بقيمة الوطن، والسعى فى أمانه وتقديره، وأننا فى حاجة ماسة إلى إعادة صناعة الشخصيات الوطنية، فنحن نحتاج إلى إعادة صناعة الشخصية الوطنية المصرية، التى تبنى من جديد إنساناً مصرياً صانعاً للحضارة، شغوفاً بالعلم، مبدعاً فيه، قوياً، معمراً، رائداً، ونحن كذلك فى حاجة إلى إعادة صناعة الشخصية الوطنية الفلسطينية، التى تجمع الكلمة، وتجتمع كلها حول مطلب وطنى واحد، وهو الدولة الفلسطينية، وتقاوم كل أفكار تمزيق القضية الفلسطينية وتمزيق الشعب الفلسطينى الواحد إلى كيانات وطوائف متصارعة، ونحن كذلك فى حاجة إلى إعادة بناء الشخصية الوطنية العراقية التى تعيد بناء العراق بعد دمار ممتد على مدى ربع قرن مضى، وهكذا.

رابعاً: بدأت أفكر فى أن تكون الجولات المقبلة لأمثال هذه الندوات أكثر تخصصية، بحيث تكون هناك دورة مقبلة للإعلاميين الفلسطينيين، حتى يتاح لهم على مدى أيام الاستفادة من خبرة القامات الإعلامية المصرية الكبيرة، ودورة لقيادات الأوقاف والإفتاء والخطابة فى فلسطين للاستفادة من المؤسسات الدينية فى مصر، ودورة لتعليم الفلسطينيين، وهكذا فى مختلف المجالات والنواحى.

خامساً: بمثل هذه الندوات نعيد بناء جسور كثيرة، تقوم مصر من خلالها بدورها الرائد الكبير، وتبنى بناء بعيد الأمد، وتعيد ربط الشعوب الشقيقة فى وطننا العربى وغيره بالشقيقة الكبرى مصر، وتحصن أجيالاً كثيرة فى دول الجوار من طوفان متلاطم تبعثرت فيه عقول الشباب العربى على مدى السنوات الماضية فى دوامات من الحيرة والتخبط والانفجار النفسى والإلحاد والتطرف والتكفير والقتل، وسوف ينطلق من أرض مصر بإذن الله فجر جديد ينير الأفق أمام هؤلاء جميعاً، والله ولى التوفيق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف