أنور عبد اللطيف
«البوكليت العبيط» فنكوش الثانوية الجديد
ضاع النوم من عينى بسبب بيت واحد من الشعر تكرر سماعى له كثيرا هذه الأيام؛ يقول: يعطيك من طرف اللسان حلاوة / ويروغ عنك كما يروغ الثعلب، سمعته من الأستاذ عبود مدرس العربي الذى تفاءل بالثورة التى يريدها وزير التربية التعليم ثم تشاءم عند قراءته تصريح معاليه «أن البوكليت فكرة عبيطة». وحسب موضة الحوار هذه الأيام تركت القضية الأساسية وبحثت عن أصل بيت الشعر وفصله ، فتحت الدواوين والمراجع وصفحات «جوجل» وجدته فى خطبة الجمعة، منسوبا إلى سيدنا على بن أبى طالب، كما نسبه البعض إلى الإمام الشافعى، وثالث ينسبه إلى الشاعر العباسى صالح عبد القدوس المتوفى عام 776م.فى قصيدته التى يقول فى عجزها: فدع الصبا فلقد عداك زمانه / وازهد فعمرك مر منه الأطيب،
وآخرون ينسبونه إلى الشاعر عبد الله فريج المتوفى عام 1892 م. ونسب أيضا إلى الشاعر الياس أبو بركة المتوفى عام 1947م. وأترك قضية ضياع المؤلف الحقيقى فى «درر الشعر» وأسأل أولا «فقهاء الشعر» عن مشروعية تكرار أبيات من الشعر دون نسبها إلى صاحبها فهل تسقط براءة اختراع الشاعر لشعره بالتقادم أم أنها تصبح عرضة للانتساب إلى آخر من يرددها، وهل تصريحات الوزراء وسياساتهم مثل أبيات الشعر فتسقط حقوق الملكية والمسئولية عن تنفيذها بالخروج من الوزارة؟
وإذا كانت النصوص الإبداعية لم تعد آمنة فهل صارت السياسات التعليمية أيضا مثل كلام الليل «تروغ عنك» مع إطلالة كل وزير جديد؟ سؤالى للدكتور طارق شوقى وزير التعليم ـ الذى تفاءلت بتصريحاته الأولى عن رؤيته لتطوير التعليم، بعد أن أزعجنى تحول تصريحاته إلى ما يشبه التوسلات «أرجوكم اعطونا فرصة لتطوير التعليم وليس تطوير جدول الثانوية العامة» ، ولكى تتحول تصريحات الدكتور طارق إلى أفعال، ولا تبقى مجرد آمال وحلاوة على طرف اللسان، أمامه ـ معالى الوزير ـ واحد من اثنين:
إما الإعلان عن ثورته واستراتيجيته الشاملة لتطوير التعليم يبدأ تطبيقها بـ«القوة الجبرية» من العام القادم، تعتمد على توحيد نظام التعليم والمناهج التى تعد الطالب لسوق العمل وضرورات التنمية فى مصر ولا تعد الطالب الغريب عن ثقافة بلده ، ولاتؤهله للفرار بجلده للخارج، كما تعتمد على فك الارتباط بين حمى المجموع الأكبر ودخول كليات القمة وتساعد على إطلاق ملكات الإبداع والتفكير ومهارات الخلق عند الطلاب، وحل مشكلة الكثافة والمعامل وتأهيل المدرس المنتمى لرسالته التربوية بالمدرسة وإبعاد المدرس اللاهث وراء جمع الفلوس والدروس الخصوصية، وإما فالبديل أن يبقى الوزير الحال على ماهو عليه ويستسلم لاستدراجه إلى مستنقع الثانوية العامة «كما استدرج أخ له من قبل» بعد أن شلت يداه بالتسريبات قبل أن يضعها على الجرح ويضبط طرق التدريس والمناهج ويلعب فى عش دبابير الدروس الخصوصية!
وإذا كنت ستسلم دماغ الوزارة للحوار المجتمعى سنصبح وسنظل كما قلتم «الدولة الوحيدة التى يتكلم فيها أولياء الأمور مع الوزارة فى جدول الامتحان وتطوير المناهج»، فما فائدة الخبراء وعلماء التربية المصريين وطوابير المستشارين فى المديريات والدواوين؟ وما فائدة مجالس العلم والتعليم التابعة للرئاسة مباشرة، وبنك المعرفة الذى أصبح يتيح للطالب المشاركة فى إعداد منهجه الدراسى والصيحة التى أطلقتها عن «مجتمع يفكر ويبتكر» ، وما فائدة مقالاتك التى نشرتها الأهرام دفاعا عن هذه الفكرة الواعدة، والمؤتمرات التى شاركت فيها والمدارس العالمية التى درستموها شرقا وغربا ثم المدارس «التجريبية» التى بدأتم فيها تطبيق الأساليب التربوية الحديثة ؟
فالبداية الصحيحة فى كل الأحوال ليست بتسفيه البوكليت ولا تحويله إلى «فنكوش» ـ وهو الاختراع الذى تفتق عنه ذهن سلفه الدكتور الهلالى لعلاج تسريب امتحانات الثانوية العامة بجعل الإجابة فى ورقة الأسئلة ـ ولا البداية بطرح الاستراتيجيات للحوار المجتمعى ومجالس أولياء الأمور لأن مثل هذه المجالس «تعطيك من طرف اللسان حلاوة عنما تتحدث عن«تفصيل» الجداول والمناهج، وتروغ عنك كما يروغ الثعلب حين تتحدث فى المصروفات، ولأن الحوار المجتمعى يفترض أن يكون فيه «مجتمعى» ناضج أولا وقنوات لإدارة الحوار بشكل صحى بعيدا عن الهوى والمصالح، ولو كانت ثورة يوليو قد أخذت فكرة طه حسين عن المجانية وطرحتها للحوار المجتمعى وقتها لتحولت المجانية ـ قبل أن يتم إعدامها ـ إلى فنكوش مثل المشروع النووى وتعمير سيناء وبرامج محو الأمية والعدالة الاجتماعية والديموقراطية وتنظيم النسل!