أظن أن الشاعر سيد مرسي الذي قام بتأليف أغنية "والنبي وحشتنا" للفنانة القديرة "شادية" والتي بها مقطع "دا إحنا من غيرك ولا حاجة، وناقصنا من غيرك كام مليون حاجة....أوعي تعملها تاني وتسيبنا لوحدنا"، سواء كان تخاطب الحبيب أو كبير الأسرة أو القبيلة أو غيره الذي يعول آخرين، فإنه قد تأثر بما تراكم في الوجدان علي مدار سنين عديدة من ثقافة الإعتماد علي الغير وترك كل المهام والقرارات كي يقوم ويتفرد بها، بحيث يعتمد عليه من هم في نطاق مسئوليته في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم، ومن ثم يصبحون-مهما كانت أعمارهم- تدريجياً شخصيات إعتمادية، فإذا حدث ونتيجة لظروف ما وغاب هذا العائل-نتيجة لسفر أو غيره-يتعرض هؤلاء الإعتماديون لهزات، أو حتي إنهيار وإضطراب في حياتهم، وقد يكونوا من السهولة بمكان ضحايا لبعض الشياطين من أهل الشر. علي خلفية الإختلاف في المفاهيم بين الاجيال، شكا لي أحد الآباء في العقد الثامن من عمره من سلوك أحد أبناءه المتساهل-من وجهة نظر الأب-مع زوجته، وفي المقابل لا يُطيعه ويسيرعلي نفس نهجه كما سار هو-أي الوالد-مع والده، وحكي لي موقف حدث له عندما كان متزوجاً حديثاً ويعيش مع والده بمنزل العائلة وكان موظفاً صغيراً بإحدي الهيئات، تتطلب أن يبقي شهراً بالعمل، ثم ياخذ إجازة، وفي إحدي المرات عندما عاد من العمل لم يجد زوجته بالبيت، وعلم أن والده قد أجبرها علي ترك المنزل بعد خلاف بسيط في الأمور المعيشية، وأخبره والده بذلك فرد عليه قائلاً "كما تري يا أبي" ولم يجرأ أن يذهب كي يعيدها للمنزل وامضي إجازته وذهب للعمل وفي الإجازة التالية رأي والده أن زوجة إبنه قد تعلمت الدرس خلال تلك الفترة، ومن ثم ذهب واعادها هو للمنزل. صحيح أن الأبناء من مثل تلك الأجيال كانوا يحترمون أبائهم وهذا من مكارم الأخلاق، لكن وإن كان ذلك يتم في ظروف من الأمية وإنتشار الجهل والفقر في أغلب القري والنجوع، فإن تلك الطاعة تُعد من الأمور المبالغ فيها والتي قد تؤدي لمحو الشخصية، في المقابل فإن أغلب الأجيال هذه الأيام علي النقيض فإنهم لا يسمعون حتي النصيحة من أقرب أناس لهم والتي سوف تصلحهم وتضعهم في الطريق الصحيح من أجل مستقبلهم، لذا فإن الإعتدال في كل شيء هو المطلوب والمحمود. المشكلة أنه في بعض الأحيان قد تستمرأ الشخصيات المُعتمد عليها، بل تتلذذ بممارسة تلك السيطرة والوصاية وتتعود عليها، وإذا جد جديد وحدث تغيير نتيجة لبعض التغيرات المفاجئة في تصاريف الأقدرار التي يقلبها الله حيثما شاء، ومن ثم ذهبت عن هؤلاء مبررات أو بالأحري مقومات الوصاية، فإن البعض من هؤلاء قد لا يتعايشون أو يصدقون الواقع، وقد يعيشون في أوهام تصل بهم للجنون أحياناً، أما البعض الآخر من هؤلاء الأوصياء والذين قد يمارسون وصايتهم تلك دون أن يشعروا أنهم يهدمون شخصية وفردية من تُمارس عليهم الوصاية، بل قد تؤدي بهم إلي شخصيات ضعيفة شوهاء غير قادرة علي إتخاذ أية قرارات في حياتهم، مما يجعلها تلجأ للنفاق والتزلف والخضوع الطوعي لمن هم أعلي منهم درجة في وظائفهم هرباً وخوفاً من تحمل مسئولية الفشل أو الخطأ. من أجل ذلك وتجنباً لظهور تلك الشخصيات الإعتمادية في مجتمعهم، تنبه الغرب وبعض البلدان الأخري لذلك وقاموا بتربية أطفالهم بداية من الأسرة والحضانة وكذلك خلال جميع المراحل الدراسية علي الجرأة في التعبير عن الرأي والحرية في القول والتشاور طالما يصب في بناء الشخصية السوية ولا يؤدي للهدم، ولا يخفي عن أحد أن ديننا الحنيف يأمرنا بالتشاور حيث تقول الآية "وشاورهم في الأمر".