المساء
محمد أبو كريشة
إعلام فاشل.. ويواصل!!
لم يبق سوي الإعلام يا بلد يسير من سييء إلي أسوأ. كل شيء إلي أفضل وأحسن. الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية والمنظومة الاجتماعية. الإعلام وحده يا بلد "حاجة تكسف وتقرف".. يفضحنا الأداء الإعلامي في الداخل والخارج.. يقولون لنا في الخارج - وهم يحبوننا جداً -: يا خسارة. هل هذا إعلام مصر التي علمتنا؟ فأقول: ليس إعلام مصر - ولكنه إعلام رجال الأعمال السفلية - إعلام جيوب تنتفخ ولو علي حساب وطن يتآكل ويتقزم - "مصر مش في دماغ الإعلام ولا في دماغ حد" - هو إعلام السبوبة "والنحتاية" تماماً مثل فن "السبوبة والنحتاية" مثل سياسة السبوبة واقتصاد السبوبة. والدولة غائبة ومغيبة تماماً عن هذا التدني والترهل في الإعلام. الدولة تسير بشعار "خليهم يتسلوا" بشعار "القافلة تسير والكلام تنبح" والكلاب تظل تتسلي وتنبح حتي تتمكن من العض وتوقف مسيرة القافلة ويضيع كل شيء كما ضاع في وكسة يناير حين كانت الدولة تتحرك بشعار "خليهم يتسلوا - والقافلة تسير والكلاب تنبح".. تسلي جراد يناير فأكل الأخضر واليابس في الوطن.. وتركت الكلاب تنبح حتي عضت العضة القاتلة ودمرت القافلة ونهبتها.
ما أشبه الليلة بالبارحة. بلادة وترهل وتثاؤب وتكاسل وسلحفاة تتحرك في كل مجال وخصوصا المجال الإعلامي. تردد وبلاهة وعدم اكتراث وتنازع اختصاصات بين جهات اتخاذ القرار وبورصة أسماء للقيادة في كل مجال ولا أحد يعرف قواعد الاختيار ولا من الذي يختار ولا لماذا جاء هذا ورحل هذا.. ويبدو أن الدولة أدمنت أن تلدغ من الجحر الواحد ألف مرة.
الدولة تكرر الأخطاء في كل عهد ولا تكرر الإنجازات أبدا. فنحن نرث مشاكل ولا نرث حلولاً.. الدولة منذ ما يقرب من أربعين عاماً فقدت القدرة تماماً علي الابداع والخيال والخلق والمبادرات. وشعارها: ليس في الإمكان أبدع مما كان. والذين يكرهون الوطن والدولة هم الذين أوتوا القدرة علي الإبداع والخلق في كراهيتهم. وأوتوا القدرة علي إطلاق الشائعات ليصدقها الشعب المغيب.. والقدرة علي السخرية من كل شيء بينما مازال الإعلام عندنا تقليديا ثقيل الظل سخيفاً شتاماً سباباً هتافياً شعارياً يدخل "زعيقه" من أذن ويخرج من الأخري. وأكاد أقطع وأجزم وأقسم أن الشارع المصري الآن صار مخطوفاً من جانب الكارهين وإعلامهم الإرهابي المواقعي.. الناس مازالوا وسيظلون طويلا يرددون نفس كلام إعلام الحاقدين: الفساد زاد. الرشوة ترسخت. الوساطات والمحسوبيات علي أشدها. التعذيب في السجون. قمع المعارضين "اللي يقول كلمة حق يختفي" رغم أن هذا الذي قال ما يسمونها كلمة حق ترك برنامجه التليفزيوني لكن لديه صحيفة تصدر بانتظام يقول فيها أضعاف ما قاله في برنامجه.. فلماذا اختفي هناك ولم يختف هنا؟ لا شيء سوي أن الشعب والشارع مخطوفان وأن هذا الخطف شهادة فشل لما يسمونه الإعلام الموالي أو المؤيد.. بل وشهادة فشل للدولة التي تفوقت في كل شيء وانحدرت إعلامياً.
وإذا كنا نتحدث عن القبلية في الدول العربية فإن لكل قبيلة شاعراً يقدم إنجازاتها ويرفع رايتها. وهكذا فإن الرافضين والموالين قبيلتان لكن شاعر قبيلة الرفض تفوق علي شاعر قبيلة الموالاة. والشاعر هنا هو الإعلام والدولة مظلومة إعلامياً كما كانت مظلومة قبل يناير.. والدولة الآن تفعل نفس ما فعلته دولة ما قبل يناير.. وهو ترك الشارع تماما للإخوان والسلفيين ومن والاهم. فدولة ما قبل يناير تركت لهم النقابات والجمعيات والأندية والمؤسسات والأعمال التي يقال إنها خيرية وتركت لهم "حتة من البرلمان" ونسقت معهم في الانتخابات وتركتهم "يتسلوا" حتي "اتشلت الدولة" وأخذوا معهم الشارع إلي الميدان "وخربوها" - والدولة الآن تركت لهم الإعلام وهو اخطر ما يمكن تركه للتسلية خصوصاً إذا كان الإعلام الرافض محترفاً. وخصوصاً إذا كان الشعب مغيباً ويحب الرافضين والسبابين والشتامين ويراهم أبطالاًَ مغاوير.
المنظومة الإعلامية للدولة الآن فاشلة بالثلاثة والثلث وإذا استمر شعار "خليهم يتسلوا" فإننا ذاهبون في داهية جديدة. ومن غير المعقول أن تظل الدولة إعلامياً معتمدة علي نفس الوجوه المحروقة "بتاعة قبل يناير". من غير المعقول أن تكون لرئيس الدولة مداخلات فضائية ولا يكون له خطاب مكتوب ورسمي في أي مناسبة يخرج علي النص فيه بأي فقرة بدلاً من الارتجال.. والشعب المصري يحب الخطب المكتوبة الرصينة - يحب الكلام ولو كان الفعل سيئاً. وخطاب مبارك قبل التنحي جعل الناس يبكون وينصرفون من التحرير لولا موقعة الجمل الإخوانية التي أعادت الأمور إلي الصفر. واكتفاء الدولة بالانجاز الرائع والفعل الرائع لا يرضي الشعب ولا يعجبه ولابد من الكلام الرائع "والحريف" أيضاً. ونود أن تنتقل الدولة بسرعة من مرحلة الترشح للرئاسة إلي مرحلة الرئاسة الفعلية. الدولة مازالت تكلم ناخبين لا مواطنين ورعايا. والإعلام الموالي للدولة ملفوظ شعبياً ومحروق في الشارع حتي إذا قال حقاً فهو كاذب والإعلام الرافض صادق ولو كذب. الإعلام المصري يا بلد فاشل ويواصل!!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف