الوطن
حسن ابو طالب
ارفضوا بروتوكول أمن الطيران الروسى
النداء الوارد فى عنوان هذا المقال موجه بالأساس إلى السادة أعضاء البرلمان، الذين سيكون عليهم التصديق على بروتوكول تعاون مع روسيا لضمان أمن الطيران المصرى، تمهيداً لعودة السياحة الروسية بعد انقطاع استمر حتى الآن عاماً ونصف العام، وحتى اللحظة لا يوجد تاريخ معين، وكل ما يقوله المسئولون الروس ذوو الصلة بقرار إلغاء حظر الطيران الروسى إلى مصر يتلخص فى عبارة عامة مفادها أن عودة السياحة قريبة، لكن الزيارة الأخيرة للسيدة فالنتينا ماتفيينكو، رئيسة المجلس الفيدرالى الروسى، كشفت عن أمور لا يعلم عنها الرأى العام المصرى شيئاً، وحسب تصريح السيدة فالنتينا، 4 مارس الحالى «فقد اتخذت مصر العديد من الإجراءات بشأن أمن الطيران ولم يتبق غير 4 نقاط لبدء عودة الرحلات إلى مصر»، ولا يعلم أحد ما هى هذه النقاط الأربع المتبقية، التى وصفتها بأنها «تم إخبار الجانب المصرى بضرورة تنفيذ النقاط الأربع المُشار إليها، وعقب تنفيذها سيصل مصر فريق من الخبراء الروس لتقديم الإمكانيات لاستئناف الرحلات الجوية».

ومعنى تلك التصريحات أن هذه النقاط الأربع ليست محل مساومة، بل واجبة التنفيذ من قبل المصريين، وبعد التنفيذ ستتم مراجعتها من قبل الخبراء الروس، وإذا حدث ومر الأمر بالصورة التى يريدها الجانب الروسى فعندها يمكن بدء عودة الطيران الروسى إلى مصر، ومرة ثانية ليس معروفاً ما هو المطلوب من مصر تحديداً، أو بالأحرى لا يعرف المصريون ما هو المطلوب حتى يتفضل المسئولون الروس ويعيدوا الطيران إلى طبيعته، والواضح أن الأمر ملىء بالألغاز أو الأمور غير الطيبة، وهو ما نفهمه مما قاله النائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، بأن «مصر تدرس مشروع بروتوكول أمن الطيران مع روسيا وتحتاج إلى حل وسط بشأن هذه المسألة»، والدلالة أن هناك أموراً صعبة يطلبها الروس ومطلوب تخفيفها والتوصل إلى حل وسط بشأنها.

لكن السيدة رئيسة المجلس الفيدرالى الروسى أشارت بوضوح إلى أنه «تم توقيع بروتوكول بين وزارة النقل الروسى ووزارة الطيران المدنى المصرى وننتظر التصديق عليه لتقديم الإمكانيات لاستئناف الرحلات»، إذاً فالبروتوكول وُقع فعلاً والمطلوب تصديق البرلمان المصرى عليه لا أكثر ولا أقل، وبعد التصديق سيقوم الجانب الروسى بتقديم الإمكانيات لبدء الرحلات، بعبارة ثانية أن هناك إمكانيات أخرى سيتم تنفيذها قبل بدء الرحلات.

الأمور على هذا النحو تبدو كنوع من الألغاز، والمؤكد هنا أن المسئولين المصريين يدركون صعوبة المطالب الروسية ولذا لا يتحدثون عنها صراحة حتى لا يُصدم الرأى العام مما يطلبه الروس الذين يراهم الشعب المصرى طيبين، والحق أنها مطالب كثيرة للغاية وضد سيادة مصر جملة وتفصيلاً، وإذا تم قبولها بأى شكل كان فسيعطى للعالم كله دلالات سلبية بشأن الحالة الأمنية فى البلاد وبشأن قدرة مصر فى السيطرة على أمن مطاراتها، هذا الكثير منشور فى الإعلام الروسى فى شهر فبراير الماضى، وتحديداً صحيفة «كوميرسانت» ووكالة الأنباء الروسية نوفستى، وبيان الوكالة الاتحادية الروسية للنقل الجوى 19 فبراير الماضى، وبيان مجلس الوزراء الروسى بشأن التصديق على بروتوكول تعاون بشأن أمن المطارات المصرية، ومن هذه المصادر وغيرها يتضح أن البروتوكول المطلوب الانصياع الكامل له يتضمن جملة من الالتزامات القاسية على مصر، فعليها أن تقبل نشر خبراء أمن روس فى مطارات القاهرة والغردقة وشرم الشيخ يفتشون على كل شىء ويُقّيمون كل شىء، بداية من العاملين والصالات والمطاعم وحركة السفر والأمتعة والطعام المُقدم للمسافرين وكذلك مستودعات الطائرات المتجهة إلى روسيا، ويكون لديهم أوسع الصلاحيات لفحص الركاب والأمتعة والوصول إلى نظام المراقبة بالفيديو»، و«سيعمل الموظفون الروس على تحميل الأمتعة وصيانة الطائرات فى المطارات فى مصر»، كما أوضح بيان لمجلس الوزراء الروسى «أن البروتوكول يتضمن مراقبة المسئولين الروس للتدابير الأمنية المصرية فى المطارات الدولية، وينص على التعاون فى مجال أمن الطيران المدنى وتوفير التدابير الأمنية المشددة فى مواجهة التهديدات المتزايدة من تأثير المنظمات الإرهابية الدولية فى مجال الطيران المدنى»، ولاحظ معى هنا أن هذا البروتوكول موصول بتدابير أمنية لمواجهة تهديدات الإرهاب، أى إنه بروتوكول فنى سياسى أمنى فى آن واحد.

أما عن التطبيق والتكلفة فحدث ولا حرج، فهناك تكلفة عالية تصل إلى مليار روبل للعام الواحد، أى ما يقرب من 200 مليون دولار، يرى الروس أن مصر عليها أن تتحمل تلك التكلفة المتعلقة بنشر عدد من الخبراء الروس بصورة دائمة فى المطارات المصرية فى القاهرة وشرم الشيخ والغردقة مع أماكن إقامتهم وشروط تأمينهم والمعدات والأجهزة. ووفقاً لبيان الوكالة الاتحادية الروسية للنقل الجوى «أنه من الممكن أن يتم إعطاء الإذن للكيانات القانونية الروسية للسيطرة الأمنية على المطارات فى مصر، من خلال مشروع البروتوكول الحكومى الدولى بين روسيا ومصر فى مجال أمن الطيران»، ومعنى هذا أن البروتوكول هو اتفاق دولى متكامل توقعه الحكومتان المصرية والروسية وبما يضمن السيطرة الروسية الأمنية على المطارات المصرية، وعلينا أن نتصور رد فعل باقى الدول التى اقتنعت فى الأشهر الماضية بأن مصر قد طورت كافة الإجراءات الأمنية لحماية الرحلات والسائحين والأمتعة، وإذا بها ترى الحكومة المصرية توقع اتفاقاً مع روسيا يؤكد أن ما تم اتخاذه من إجراءات وتدريبات وتكلفة باهظة هى والعدم سواء، وأن من سيحمى أمن المطارات المصرية الدولية هم الخبراء الروس، وستتحمل مصر تكلفتهم.

حين نربط بين هذه العناصر يتأكد لنا أولاً أن السيدة ماتفيينكو جاءت لتحمل إنذاراً للسلطات المصرية، وليست بشرى تطلع إليها المصريون، وثانياً أن الروس يرون فى تلهف المصريين على عودة السائح الروسى بمثابة فرصة يجب اقتناصها إلى أقصى درجة للتدخل فى الشأن الأمنى فى المطارات المصرية، وثالثاً فإن الانصياع المصرى لكل المطالب الروسية وقبول جولات التفتيش والتقييم فى المطارات المصرية على مدى عام ونصف وفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب ليقول كلمة فى حق الإجراءات الأمنية سلباً أو إيجاباً كانت بالنسبة للروس دليلاً على ضعف الموقف المصرى، وبما أغراهم بمزيد من المطالب والطمع فى السيطرة الكاملة على المطارات المصرية، وكأن مصر بلد يحبو أولى خطواته فى عالم الطيران المدنى، ورابعاً وأخيراً، فيا أيها النواب عن هذا الشعب نرجوكم ارفضوا هذا البروتوكول العار واحفظوا كرامة بلدكم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف