الأهرام
عبد الفتاح الجبالى
ما أشبه الليلة بالبارحة
فى مثل هذا اليوم منذ ثلاثة عقود ونصف العقد قدم المرحوم د. حسين خلاف تقريره عن اعمال المؤتمر الاقتصادى الذى دعا اليه الرئيس الأسبق مبارك،
وعقد خلال الفترة (13-15 فبراير 1982) وشارك فيه نخبة متميزة من أفضل الاقتصاديين المصريين من مختلف المدارس الفكرية والأيديولوجية، بالإضافة الى ممثلى الأحزاب السياسية واتحادات العمال والصناعات والغرف التجارية، كما ضمت الأمانة العامة للمؤتمر مجموعة متميزة اخرى من الاقتصاديين المصريين. الامر الذى جعله وبحق أحد المؤتمرات المهمة فى التاريخ الاقتصادى المصرى الحديث. وفى ضوء الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يمر بها الاقتصاد المصرى حاليا فإننا وجدنا انه من المناسب التعرض لبعض نتائج هذا المؤتمر لمعرفة الى أى مدى تم تنفيذ ماجاء به من توصيات، خاصة وانه تناول بالشرح والتحليل المشكلة الاقتصادية التى كانت سائدة آنذاك، والتى نعتقد انها نفسها التى نمر بها حاليا، اذ أشارت ورقة العمل الأساسية الى ان الإنتاج القومى فى الزراعة والصناعة والخدمات يقصر كثيرا عن توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن وزادت الاعتماد على الموارد الخارجية فى صورة قروض ومنح او تحويلات لتمويل التنمية.ولهذا ازدادت مديونية مصر الخارجية الى درجة كبيرة، وذلك بعد ان ارتفع العجز فى الموازنة العامة للدولة وازداد التضخم، كنتيجة لزيادة الإنفاق العام خاصة على الدعم، هذا فى الوقت الذى اهملت فيه الصيانة والتجديد والتوسع فى مرافق الطاقة والنقل ومياه الشرب والصرف الصحي، وطغيان التوسع الحضرى والعمرانى على الرقعة الزراعية الخصبة، ولم تنس ورقة العمل الإشارة الى مشكلة الزيادة السكانية واثارها المختلفة. ولا شك ان كل هذه القضايا والموضوعات هى بالضبط ما يعانى منه المجتمع حاليا، وكأننا لم نتحرك خطوة للأمام منذ ذلك التاريخ، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن السبب وراء ذلك؟ .

من هنا تركزت النتائج حول ضرورة وضع رؤية كلية شاملة للسياسات الاقتصادية ترتكزعلى عدة محاور أساسية يأتى على رأسها ضرورة رفع معدل الاستثمار الى المستوى الذى يسمح بتشغيل الاعداد الكبيرة التى تدخل الى سوق العمل سنويا، بالإضافة الى زيادة الانفاق على مخصصات الصيانة للمنشآت القائمة، وفى هذا السياق رأى المجتمعون انه من الضرورى توجيه حصيلة تصدير البترول كلية للاستثمار الثابت للمحافظة على القدرة الإنتاجية الزراعية والصناعية وما يلزم من مرافق لزيادة هذه القدرة وتوفير احتياجات الشعب فى المستقبل. وأشارت الى ضرورة الاعتماد على القروض الميسرة ومتوسطة الأجل والطويلة كلما أمكن ذلك. كما يجب ان توزع الاستثمارات العامة على الريف بدلا من استئثار المدن بالنصيب الأكبر منها.

ورأى المؤتمر ان مشكلة التشغيل يجب ان تحظى بالأولوية القصوى لما لها من آثار على المجتمع والاسرة والشباب، هذا جنبا الى جنب مع الاهتمام برفع مستويات العمالة وزيادة انتاجيتها عن طريق التدريب الفنى والمهني، والعمل على اعداد برامج لتحسين أداء الخدمات الحكومية وتنظيمها، خاصة وان مصر بلد فقيرة فى الموارد الطبيعية، وبالتالى فالتنمية البشرية تعد مصدرا للدخل وليس عبئا على المجتمع. وفى هذا السياق ركزت ورقة العمل على ضرورة الاهتمام بالتنمية الصناعية، وان تكون الأولوية الاولى لإنتاج السلع اللازمة للنشاط الإنتاجي، وكذلك لا شباع الاحتياجات الضرورية للسواد الأعظم من السكان فى الغذاء والكساء والإسكان، على ان تكون الأولوية الثانية فى هذا المجال الى زيادة القيمة المضافة للصناعة المحلية، والعمل على زيادة الصادرات الصناعية، ودعم وتشجيع الصناعات الصغيرة.

وفى الزراعة ركزت المقترحات على ضرورة التوسع الرأسى عن طريق استحداث سلالات جديدة فى القطن والأرز، والتوسع فى زراعة الذرة هذا، فضلا عن ضرورة العمل على توسيع الرقعة الزراعية عن طريق التوسع الافقى باستصلاح واستزراع الأراضي، وتكوين مجتمعات ريفية حديثة. وتناولت الورقة بعد ذلك مشكلتى المياه والطاقة، وأوضحت كيف ان هذه المصادر رغم أهميتها ومحدوديتها الا اننا نستهلكها بإسراف شديد واهدار غير مبرر، لذا طالبت بضرورة الحفاظ على هذه الثروات الناضبة واستغلالها أفضل استغلال ممكن. وفيما يتعلق بعجز الموازنة خلص المؤتمر الى ضرورة العمل على تحسين كفاءة الانفاق العام خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات الحكومية، وتخفيض الانفاق غير الضرورى والمظهري، وتحسين تحصيل الضرائب ومحاربة المتهربين، وأيضا التهريب الجمركي. يضاف الى ماسبق ضرورة ترشيد الدعم وضمان وصوله الى مستحقيه عن طريق تنظيم إنتاج الخبز وتنقية البطاقات التموينية باستبعاد الطوائف والفئات غير المستحقة للدعم، مع الاستمرار فى الدعم العينى وعدم استبداله بالدعم النقدي. وعلى الجانب الآخر تحريك أسعار الوقود والكهرباء بحيث يتم رفع السعر على الشرائح الأعلى وتثبيته للشرائح الدنيا.

كما ينبغى ان تبذل الجهود لكبح جماح التضخم عن طريق اتباع سياسة نقدية حازمة والتنسيق التام بين السياستين المالية والنقدية والعمل على جذب مدخرات المصريين العاملين بالخارج وتشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر وتعديل قوانين الاستثمار. والعمل على زيادة الصادرات بالبحث عن أسواق بديلة واتباع سياسة للإحلال محل الواردات، وهو ما يتطلب ان يكون الإنتاج المحلى كافيا ومناسبا للاستهلاك المحلى كما ونوعا، وان يتم التخلص تدريجيا من الحماية الجمركية حتى لا يقع المواطن فريسة للاحتكارات المحلية.

وأكد المؤتمر ضرورة توافر شرطين أساسيين لإنجاح إجراءات الإصلاح الاقتصادي، مهما تكن صائبة وصحيحة، اولهما تهيئةالمناخ السياسى لها بالقدوة الصالحة والقبول الشعبى والرقابة على المال العام والمتابعة ومحاربة الفساد.

وثانيهما تحقيق العدالة الاجتماعية بحيث تكون هذه السياسة ذات طابع اجتماعى واضح يعمل على تحسين الدخول ورعاية الطبقات الأقل دخلا، ويحد من الاثار السلبية التى برزت فى سوء توزيع الدخول بالمجتمع، وهنا يصبح من الضرورى تفعيل السياسة المالية وفقا لخطوات متتابعة وثابتة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان حسن توزيع الدخل القومي.

ويلاحظ المتتبع للفكر الاقتصادى المصرى ان معظم الاقتصاديين مثل الدكاترة إسماعيل صبرى عبد الله وإبراهيم شحاته وسعيد النجار وحازم الببلاوى وجلال امين ومحمود عبد الفضيل وجودة عبد الخالق وإبراهيم العيسوى ورمزى زكى وعلى نصار وغيرهم قد اجمعوا فى كتابتهم على معظم هذه الأمور كوسيلة مثلى للخروج من الازمة الراهنة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف