الجمهورية
قدرى ابو حسين
استثمار النيل في النقل النهري
لا توجد علاقة متنوعة ومتجدرة بين نهر والمجتمع القائم عليه قدر ما هي بين النيل والمجتمع المصري. هذا ليس وقفا علي حقبة تاريخية معينة بل هي من الأزل إلي الأبد ارتباط بالغ الوثوق والتفاعل لم يكن غريباً ما استخلصه هيرودوت المؤرخ اليوناني خلال متابعته لمجريات حياة المصريين ونهرهم العظيم إلي أن يصل إلي قناعاته التي أوجزها بمقولته الشهيرة "مصر هبة النيل" ثم اتبعها بعبارة أخري بالغة الوضوح وهي "لولا النيل لكانت مصر صحراء جرداء" "Sans le Nil d,Egypte pour devenir un desert aride" لا يقدح في ذلك ما توصل اليه المحدثون من البحاث والدارسين ما قد يبدو انه اختلاف مع هذه المقولات وهو أنه لولا المصريين ما كانت مصر. يدللون علي ذلك ان هذا النهر العظيم يمر خلال مسيرته الطويلة بعديد من المجتمعات من المنبع حتي المصب لم يتفاعل أي من المجتمعات علي طول مجري النهر مع المقومات التي اتاحها النهر ليتشكل منها حضارة المصريين. لم يكن النيل يوما ما فقط موفرا لمياه الشرب والزراعة والري والتي تجاوزها إلي آفاق أخري هنا نذكر أن المصريين أول من أستخدم المجاري المائية وسيلة للنقل والانتقال بل هم أول من اخترعوا فكرة الشراع لاستثمار الرياح في حركة السفن وكان قد استخدم من قبل قوة دفع المياه من الجنوب إلي الشمال واستثمرت القوتان لايجاد نظام للملاحة الداخلية والنقل النهري غير مسبوق واستمرت الاستفادة من نهر النيل والمجاري الأخري القائمة عليه والتي جري انشاؤها والتوسع فيها علي مدي قرون عدة.
أستعيد في هذه اللحظات خصوصا فترة الخمسينات وما قبلها حجم حركة النقل النهري وانتظامها وتأثيرها وفاعليتها كان النيل يعج بوسائل النقل الشراعي الخشبي والمعدني والآلي بكل أنواعه ثم رأينا أسطول ناصر النهري الذي تصدي لعمليات النقل البضائع المختلفة من وقود وحبوب وخلافه في فترة تالية قفز استخدام سيارات النقل والطرق البرية إلي أرقام هائلة إلي ان وصل حجم النقل البري نسبة 95.7% يليه السكة الحديد بنسبة 3.5% في الحقيقة ان اعتماد مصر علي النقل البري واقتصادياته لا يحقق المصلحة الاقتصادية لسرعة تآكل شبكة الطرق وعدم القدرة علي زيادتها أو التوسع فيها ويبقي النيل والمجاري المائية أكثر مناسبة وأقل تكلفة. وسط خضم المشروعات الاستراتيجية التي انطلقنا في تنفيذها ونعد لبدئها لم أجد للنقل النهري ذكري محسوسة وملموسة رغم ان اعادة الاهتمام بهذا النوع من النقل يواكب خطة الدولة لتحقيق التنمية المتوازنة علاوة علي انه سيكون جزء من الهدف الاستراتيجي لتواصل دول افريقيا من أقصي الشمال بالإسكندرية لأقصي الجنوب. أذكر المخططين بالرقم الصادم لحجم حركة النقل النهري في مصر والتي تبلغ حاليا أقل من 1% رغم النيل والمجاري المائية الأخري المرتبطة به هذا الرقم مقارنا بحجم النقل النهري في هولندا 47% وفي ألمانيا 20% من اجمال حركة النقل. تعالوا نعيد استثمار امكاناتنا الهائلة التي يهدر الكثير منها من بين أيدينا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف