المصريون
محمود سلطان
مظاهرات الخبز.. وملايين الدعاية في أمريكا!
كانت المفارقة شديدة الغرابة، حين استيقظنا صباح ذات يوم، على وقع نشر وزارة العدل الأمريكية وثائق وعقودًا أبرمتها السلطات المصرية، مع شركة دعاية أمريكية، تدفع القاهرة لها 1,8 مليون دولار، نظير الدعاية لتحسين صورة النظام المصري في أمريكا! وبعدها بساعات، ضجت شوارع عدد من المحافظات، ومن بينها العاصمة الثانية "الإسكندرية" بالمظاهرات المطالبة بتوفير الخبز! تفاصيل العقد "المصري ـ الأمريكي"، لم يتضمن الدعاية لأي أنشطة، تشجع على دعم الاقتصاد المصري المتدهور، وإنما كلفت شركة الدعاية بتسويق "الإنجازات" على ذات الهمة التي يقوم بها الإعلام الموالي في مصر! وشاء القدر أن يأتي الرد بالتزامن مع هذا السخاء الحكومي مع الأمريكيين لتسويق "الإنجازات".. إذ طاف الجوعى في الشوارع وهم يطالبون برغيف الخبز!.. فهل بات الجوع والبحث عن الخبز "إنجازًا" يُدفع من أجل الدفاع عنه كل هذه الملايين؟! الـ 1,8 مليون دولار، تعدل 288 مليون جنيه تقريبًا.. وهو رقم ضخم، كان بالإمكان أن يُحقق به إنجازات ضخمة وحقيقية في مصر: بناء مدارس، مستشفيات، وحدات إنتاجية.. تحسين الخدمات الصحية المتردية.. والتعليم المترهل وشديد التخلف.. وغير ذلك. ولماذا يسوق لـ"الإنجازات" المفترضة في أمريكا وليس في مصر؟!.. ماذا يهم السلطة: المصريون أم الأمريكيون؟!.. الإنجازات في الداخل لا تحتاج إلى تسويق ولا إلى أموال ضخمة للدعاية لها.. فإذا كان ثمة إنجازات حقيقية، فإنها تعبر عن نفسها تلقائيًا يشعر بها الناس في الداخل والمجتمع الدولي في الخارج.. إذا وجدت فعلاً فهي تحيل البلد تلقائيًا بلا دعاية أو تسويق إلى قوة إقليمية وكنموذج مبهر لمن حولها.. المسألة لا تحتاج إلى دعاية وأموال.. إلا إذا كان ثمة ما يسيء ويراد إخفاؤه أو تجميله: هناك فرق بين الإنجاز الحقيقي الذي يلفت تلقائيًا نظر العالم.. وبين "القبح" الذي ينفق عليه الملايين من أجل أن نخفيه. ثم إن لا أحد يعرف مصدر الـ 1,8 مليون دولار التي ستدفع للأمريكيين.. وما إذا كانت من أموال قرض صندوق النقد.. أم سُحب من الاحتياطي النقدي المهترئ أصلاً.. أم سيدفعها الخيريون من أهل البر الإحسان؟! والحال أنه ربما يكون النظام يحتاج إلى تحسين صورته في الخارج.. وهو مطلب مشروع لأي نظام سياسي في العالم، ولكن تحسين الصورة يبدأ من الداخل، من خلال الإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان وإطلاق الحريات والتداول السلمي للسلطة وتوفير الحياة الكريمة للمواطن.. هذا هو مقدمة أي إنجاز لاحق عليه.. وهي الصورة التي يحترمها العالم ويقدرها.. ولا تحتاج إلى هدر كل هذه الملايين من أجله.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف