الأهرام
محمد ابو الفضل
الأزهر بين المؤامرة والتطوير
الكتابة عن الأزهر، أصبحت تشبه المشى فوق حقل مليء بالألغام، عندما تحاول تفادى لغم تخشى أن تنزلق إلى آخر، كامن تحت الأرض أو ظاهر فوقها، خاصة أن قطاعا كبيرا من المواطنين بات حائرا بين ما يخرج عن الأزهر ومن بعض علمائه، وبين ما تتعرض له المؤسسة العريقة من انتقادات واتهامات، حملتها أحيانا كل مصائب المتطرفين، ووضعت على عاتقها مسئولية انسداد الخطاب الديني.


الفترة الماضية راج حديث عن فتن عديدة تحيط بالأزهر، بعضها يتحمل أسبابها هو ومن يتولون فيه دفة القيادة، جراء الحذر والتريث والتردد المريب حيال كثير من الافتراءات، والبعض الآخر له علاقة بوقوع أخطاء حقيقية، أخفقت المؤسسة وعلماؤها فى اتخاذ مواقف حاسمة منها، ربما تكون طبيعة القضايا على درجة عالية من التعقيد، لكن المؤكد أن الصمت فى بعض الأوقات قد يكون من صفيح وليس ذهبا، وهناك جزء يتحمله من يقفون وراء الاستهداف العمدى للمشيخة ورموزها.

الحسم فى القضايا الشائكة، وعدم ترك الأمور لاجتهادات العامة، والنظر برؤى واقعية وعقلانية، من الفضائل الرئيسية التى يعول عليها كثيرون يعرفون معنى وأهمية الدور الذى لعبه الأزهر، وهو ما حفظ لمصر مكانة كبيرة فى غالبية الدول الافريقية والآسيوية، وقد شاهدت ذلك بنفسى عندما قمت بزيارة لدولة اندونيسيا منذ حوالى عامين، وكادت جهات كثيرة، رسمية وشعبية، أن تحمل الدكتور الفاضل عبدالمنعم فؤاد، على الأعناق، احتراما لأنه ينتسب للأزهر علما وخلقا، الأمر الذى يكشف عمق وحيوية الدور الذى تقوم به هذه المؤسسة الكبيرة.

الغمز واللمز الذى انتشر بخصوص الأزهر وشيخه الدكتور أحمد الطيب، أحد العلامات الدالة على أن هناك أزمة حقيقية، تستحق المواجهة، لأن التجاهل سوف يؤدى إلى مزيد من المشكلات، ومؤكد أن تصاعد حدة «الشوشرة» تقود إلى خلط ملفات كثيرة مع بعضها، من الأفضل أن تحافظ على مسافات وفواصل بينها، حفاظا على صورة الأزهر، واحتراما لمكانته التاريخية، وأملا فى العمل على تطويره، بما يتناسب مع روح ومقتضيات العصر.

قبل أن أشرع فى كتابة هذا المقال، وصلتنى رسالة من الأستاذ محمد عصام عدلى (مدير مالي) عبر فيها عن هواجسه بشأن المعارك التى تحيط بالأزهر حاليا، ووجدت فى عرضها للقارئ فائدة كثيرة، لأنها تحمل هم مواطن مصري، يريد أن يكون الأزهر عند مستوى المسئولية والثقة فى دوره التنويري.

قال عصام فى رسالته: أعلم تقديرك للشيخ أحمد الطيب واعتزازك النابع من احترام النسب والشخص والمنصب، لكن الطهر والورع والزهد والكرم تصلح لأهل الطريق، ولا أعتقد أن هذا تناول على مائدة اللحم المسموم، فليس نهشا لعرض ولا سبا فى شيخ، وقد حضرت صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر مؤخرا، وارتقى المنبر الشيخ محمد زكى البداري، أمين مجمع البحوث الإسلامية، والذى صدر له قرار مؤخرا من شيخ الأزهر بتولى مهام الدعوة بالجامع.

وكان موضوع الخطبة عن الطلاق الشفهي، وبعد أيام قليلة صدر بيان عن هيئة كبار العلماء، ووجدت أن البيان كأنه انعكاس حرفى لمضمون الخطبة، مع إضافة المقدمة عن حق القيادة السياسية فى مخاطبة مؤسسات الدولة، واستطراد فى شئون الطلاق وأسبابه وطرق معالجته، كما ورد فى القرآن الكريم، من هجر ووعظ وضرب غير مبرح ثم التحاكم، إلى آخر هذه الأمور.

أكد عصام: أنه احتار فى الأمر، وتساءل عن سر السرعة فى إصدار بيان الأزهر، مع أن القضية بسيطة، فالرئيس عبدالفتاح السيسى استفسر وطلب البحث عن مخرج لمشكلة تؤرق قطاعا كبيرا من المواطنين، لكن الموضوع برمته تحول إلى إثبات المواقف واختراع تصورات وهمية لمواجهة خيالية بين سعيد بن جبير والحجاج، بذريعة الحفاظ على الشرع، وهل رجاء أو طلب السيد الرئيس الإنسانى يُرد عليه فى بيان طويل عريض ومثير للانتباه؟ أم أن المسألة تندرج تحت عملية تكسير عظام وعض أصابع خفية، تفتح شهية الإعلام ضد الأزهر، والذى لا تنقصه مكلمة؟

أعتقد أن هناك حواة يطلقون الثعابين بين الجبة والطربوش، خاصة أن البيان بدا كمن يبدى شماتة سياسية ودينية، كما أن الأمر كانت به عجلة ومحاولات مسبقة لتهيئة الإعلام بأن هناك حدثا جللا ما سيعقب اجتماع هيئة العلماء.

كانت المقدمات كفيلة أن تلفت النظار للبيان المنتظر، وهى مهمة تاهت أو كانت مفقودة فى تكليف آخر، مثل موضوع تجديد الخطاب الديني، بل وصفها البعض بـ «الدعوة الخبيثة»، مثل الدعوة لتطوير الأزهر، والإمساك بالكليات الشرعية ونفض الكليات المدنية عن كاهله، حتى أصبح الخريجون مطعنة من الجميع، وبدلا من أن يتم تمدين كليات الأزهر عوضا عن تديينها، تحول كثير من هؤلاء إلى ذخيرة حية، يسعى إلى توظيفها والاستفادة منها، سلفيون وإخوان ومتطرفون.

أوضحت الرسالة أيضا أن الخدمة الجليلة التى يمكن أن تقدم للعالم ليست هى فتاوى من التزم ومن خرج عن أهل السنة والجماعة، لكن ضرورة إعادة النظر فى قانون تطوير الأزهر، من خلال ضم الكليات المدنية فى جامعة الأزهر إلى جامعات مختلفة تابعة لوزارة التعليم العالي، واقتصار الأزهر على الكليات ذات الطابع الديني، بمعنى يتم إلحاق كليات الطب والصيدلة والهندسة.. بجامعة القاهرة وعين شمس والإسكندرية وهكذا.. وبالتالى التخلى عن عشرات الآلاف من المدارس التى تؤهل للكليات المدنية التابعة للأزهر، ولنا أن نتخيل حجم الفائدة والتطوير، إذا عرفنا أن عدد طلاب الأزهر تجاوز 500 ألف طالب، وهم (فى معظمهم) كغثاء السيل.

وأحب أن ألفت نظركم إلى فكرة جيدة، تحتاج لمزيد من العمل عليها مستقبلا، وهى الرواق الأزهري، أى عودة النظام القديم، الذى يقوم على تكثيف الدراسات الحرة والمنح، فإذا انتهى الطالب من المنهج المقرر يمنح إجازة علمية بالتميز والحصول على شهادة من الأزهر، ويتولى الإشراف على الرواق الدكتور محمد مهنا، الذى أحدث نقلة نوعية داخل الجامع الأزهر، وأصبح له مريدون بالآلاف، وغالبيتهم من خارج مصر، من دول إفريقية وآسيوية.

كما أن هناك خدمة مستحدثة بالجامع الأزهر، هى ترجمة خطبة الجمعة إلى الإنجليزية ليستفيد منها غير الناطقين بالعربية، يتم تجهيزها بعد صلاة الجمعة مباشرة، فى أحد أروقة الجامع لمن يرغب فى سماعها مترجمة، وهى خدمة جليلة تعزز القوة الناعمة المصرية فى أنحاء العالم، وهذا من الأدوار المهمة التى ننتظرها من الأزهر، بدلا من الدخول فى معارك خشبية تضر بسمعته وتسيء إلى علمائه.. انتهت الرسالة، عسى أن تجد من يتمعنها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف