جلال دويدار
خواطر.. إنها «انتفاضة النهب».. وليست انتفاضة »الخبز«!!
اثار اهتمامي أزمة صرف الخبز المدعم التي اجتاحت بعض المحافظات. اكتشفت وبعد أن تابعت أحداثها وما صدر حولها وما نشره احد المواقع الالكترونية من عدم دقة وشفافية المعلومات عندما وصفها بأنها انتفاضة »خبز». ليس من وصف لهذا التقرير الصحفي سوي انه افتقد للمسئولية المهنية الصحفية والاعلامية وإنه استند فيما روج له إلي عدم الدقة والأمانة وافتقاد الشفافية الواجبة.
من واقع متابعتي وماجاء في تصريحات جهات متعددة علي صلة بالأزمة وما تضمنته البيانات بشأنها تبين لي ان هذه الأزمة ليست بأي حال »انتفاضة خبز» من جانب المستحقين لهذا الدعم انما هي انتفاضة »نهب». أسباب المظاهرات كانت وليدة اجراءات تم اتخاذها بناء علي تقرير للرقابة الادارية كشف عن عملية واسعة لنهب اموال الدولة بدون وجه حق والتي هي في نفس الوقت أموال كل الشعب.
جري ذلك من خلال ازدواجية صرف الحصة المخصصة لكل اسرة باستخدام الكارت الذهبي الصادر عن وزارة التموين والذي قام بعض الافراد باستخراجه الي جانب احتفاظهم بالبطاقة الورقية القديمة. والصرف بها أيضا نتيجة القصور وغياب المتابعة والرقابة وعدم توحيد البطاقات. كانت تتم عملية ازدواجية للصرف سواء من جانب بعض المخابز أو المنتفعين . هذا الفرق غير المستحق وصرفه عن طريق مخابز بعينها أتاح الحصول علي الدقيق غير المستخدم لبيعه في السوق السوداء بعد اعطاء جزءا من قيمته نقدا لصاحب البطاقة المستخدمة.. هذه العملية حققت لأصحاب هذه المخابز ولأصحاب البطاقات الحصول علي ما هو غير مستحق . هذه الممارسات غير المشروعة تدخل في إطار اهدار عام لأموال الدولة..
اذن ووفقا لتطورات الأحداث فان تظاهر بعض المستحقين نتيجة عدم حصولهم علي حصصهم من المخبز ليس هو السبب الحقيقي يعود إلي عمليات التحريض من جانب المخابز المستفيدة والأفراد المستفيدين من هذا الفساد الذي اكتشفته الرقابة الإدارية. ليس مستبعدا أن تكون هناك عناصر مشبوهة وجدت في هذه الضجة المفتعلة فرصة لاثارة القلاقل في الشارع المصري.
علي هذا الاساس كان لابد من التحرك بسرعة لكشف كل الحقائق حول ما حدث والعمل علي احتوائه. كما هو معروف فإن اعتمادات دعم منظومة الخبز يحمل موازنة الدولة عشرات المليارات من الجنيهات كل عام يتم انفاقها في استيراد وشراء القمح الذي يتم طحنه وتوزيعه علي المخابز لصنع الرغيف. في ظل استشراء عمليات الفساد فإنه كان يتم استغلال الثغرات وفساد الضمائر من جانب مافيا التربح الحرام سواء داخل أجهزة الدولة المعنية أو من خارجها لكسب مئات الملايين من الجنيهات سنويا.
اتصالا بهذا الشأن فإنه ليس بعيداً عن وجود علاقة لما حدث بما تم اكتشافه العام الماضي من جرائم سطو علي صوامع القمح وسرقة ما فيها. ما أقوله تؤكده القضايا المنظورة حاليا أمام القضاء والتي تشمل قائمة متهميها أصحاب صوامع تخزين القمح وعددا من موظفي الدولة المسئولين عن استلام هذا القمح. بالطبع فإن فساد هذه المنظومة لا يقتصر علي التخزين ولكنها أيضا تشمل عمليات الاستيراد والتصنيع من خلال بعض المخابز. هنا لابد من الإقرار أن الأزمة الحالية ما هي إلا وليدة أخطاء سابقة ومتراكمة لوزارة التموين والوزارات ذات الصلة ومنها وزارة الزراعة.
من ناحية أخري فإن وزارة التموين تتحمل الجانب الرئيسي في هذه الأزمة المتعلقة بمظاهرات صرف الخبز المدعم نتيجة الاهمال والقصور. كان علي أجهزة هذه الوزارة المختصة العمل علي توحيد بطاقات صرف الخبز المدعم وأن يتم الصرف عن طريق بطاقة واحدة منعا للازدواجية. هذا التقاعس جزء من الفساد الذي ينخر في عظام هذه الوزارة التي يعمل بعض العاملين فيها علي رعايته . لا يمكن أن يتم هذا الفساد دون مشاركتهم في عملية التربح التي تضم أصحاب المخابز والمواطنين الذين يحصلون علي حصصا مزدوجة من الخبز وهو ما اكتشفته الرقابة الإدارية.
شيء طيب أن يسرع وزير التموين الدكتور علي مصيلحي بعقد مؤتمر صحفي لفضح أسرار هذه العملية المشبوهة لنهب أموال الخبز من خلال العناصر الانتهازية ومعدومي الضمير الذين احترفوا التربح غير المشروع. ليس من وسيلة للتصدي لمثل هذه الممارسات والتي كانت من أسباب ما نعاني منه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا واجتماعيا- نتيجة ما يحيطها من فساد- سوي اللجوء إلي الحسم والحزم لإنهاء المشكلة من جذورهاوالعمل علي سد الثغرات.
أعتقد أنه يمكن تحقيق هذا الهدف بالعمل علي سرعة توحيد بطاقات التموين للمستحقين ببيانات البطاقة مستندا ببيانات الرقم القومي. والمستندات التي تثبت حق كل فرد فيما ما هو مدون بالبطاقة من أفراد بحق وتسهيل اصدار وتسليم البطاقات المستحقة لهذا الدعم الذي تدفعه الدولة. من المؤكد ان ما حدث هو فرصة لاتخاذ هذه الخطوة التي تعد الأولي في إطار عملية تنقية بطاقات التموين لترشيد الدعم وضمان وصوله إلي مستحقيه الحقيقيين.