أحمد سعيد طنطاوى
التفاهات اللذيذة من حياة فاروق شوشة
"الحكاية تموت إذا رويت بطريقة واحدة" كما يقول الحكماء، فالحكي المتنوع يصقلها ويلمعها ويكشف بعضاً من أسرارها.. ولأن الحكايات تتشابه فى مغزاها وتختلف فى مضمونها، فأحببت أن أنقل للقارئ ثلاث حكايات حكاها الشاعر الراحل فاروق شوشة فى كتاب (عش النمل) للكاتبة سهلة الأسلوب والسرد سهير حلمي.. لعل فيها ما يغير تفكير البعض لينتقل من حال إلى حال ومن كسل إلى نشاط، ومن غفلة إلى صحوة.
ثلاث حكايات عن التركيز فى مستقبلنا الذى يضيع بسبب التفاهات اللذيذة!.. والمصادفة التى قد تُغير مجرى حياتنا دون تخطيط أو سابق تعهد، والثالثة عن الحفاظ على تراثنا الإذاعي والتليفزيوني، ولا نتركه ونمسحه ونمشى عليه بممحاة.
الحكاية الأولى كان شوشة قد انهمك فى عمله مذيعاً وراء الميكروفون لدرجة أنه كان يعمل ويقيم فى الإذاعة ما يقرب من 24 ساعة يومياً.. حتي قابله مصادفة د. على الراعي وكان ضيفاً فى ندوة من الندوات، فجلس بجواره فى استراحة الإذاعة وباغته بسؤال: "يبدو أنك انغمست فى مهنة التفاهات اللذيذة، تلك الحياة التى تعج بالندوات والتليفونات والمعجبات والرسائل، إنك تذكرنى بشبابى يا ابنى، كنت مثلك كبيراً للمذيعين بالإذاعة ولكن حين أعلنت الجامعة عن البعثات الدراسية انتشلت نفسي وذهبت إلى إنجلترا وحصلت على الدكتوراة عن برناردشو.. فالتفاهات اللذيذة لن تترك لك مجالاً.. أنت خُلقت عن جدارةٍ للكتابةِ والإبداع.. لا الاكتفاء بالبرامج والندوات وقراءة الشعر".. انتهى كلام الراعي وبدأ كلام شوشة: "كانت النصيحة غالية صادقة.. وصحوت من غفوتي واكتشفت أن كتابتى الشعرية تأخرت، لذلك صدر أول دواويني "إلى مسافرة" عام 1966.. دون الحاجة لحالة شعرية أنتج فيها أشعاري.. لأننى كنت ممتلئاً بقراءة أشعار الآخرين".
الحكاية الثانية يقول شوشة: "كان من المقرر أن أسافر إلى أوروبا وقابلنى أحد الزملاء وكان ترتيبه فى البعثة فى المرتبة الثانية بعدى مباشرة وأخبرني أن سيتقدم للإذاعة لاجتياز اختبارات المذيعين الجدد وحثني على أن أحذو حذوه، وضحكت الأقدار كما يحدث عادة فنجحت فى الامتحان، ورسب هو.. وسافر إلى الخارج فى بعثته.. أى تبادلنا الأدوار".. والمعنى أن مقادير الحياة تكون أحيانا أغرب من الخيال.. فلا تعلم الخير أين!.. ومن أي اتجاه سيأتيك!
الحكاية الثالثة يحكيها شوشة بمرارة شديدة تجري على لسانه، حيث بحثا طويلا هو وتماضر توفيق على تسجيل نادر لطه حسين فلم يجدوه.. وكانت القاعدة فى ماسبيرو أن البرامج الثقافية والحوارات يتم مسحها لتسجيل المباريات الرياضية، وقد اضطر ماسبيرو لاستعادة هذا التسجيل التواصل مع تليفزيون الأردن، وسألوه ما المقابل؟!.. فكان الرد من الجانب الأردني بمثابة صاعقة تلقتها تماضر توفيق.. "لا شيء.. ولكن نتمني أن تحافظوا على هذا الشريط النادر، ولا تمسحوه مرة اخرى".
اختر من الحكايات ما شئت وأعد كتابتها وفهم مغزاها كما تريد، وأسقط ما ترغب منها على العمر الذي يمر سريعاً، وموهبتك التي قد لا تحتمل وجودك فى أكثر من مكان تصارع فقط من أجل البقاء أو حتي لمجرد خدش جدار النجاح، وحفر اسمك عليه.. لنبدأ من الآن ولا نتردد فى ترتيب الأولويات والبعد عن التفاهات اللذيذة، وأنا معكم.