الحلو «مايكملش»!.
مَثَل عامى.. شأنه.. شأن معظم الأمثال.. بعيد عن الواقع وبعيد عن الحقيقة.. ربما لأنه يمثل وجهة نظر قائله فى واقعة محددة فى زمن مختلف جذريًا عن هذا الزمان!.
لا.. «الحلو» حتمًا يكتمل لو هناك إرادة وإدارة.. وبنفس المنطق استحالة أن يكتمل.. فى غياب الإدارة والنظام والرقابة والمتابعة والثواب والعقاب!. إيه الحكاية؟.
«الحلو» الذى أتكلم عنه.. الصرح الرائع مبنى المطار «2» الذى افتتح أخيرا.. والذى هو بحق إنجاز رائع.. فخر لكل مصرى أن تكون هذه المنشآت الحديثة التى تنافس أعظم مطارات العالم.. هى «حضن» الاستقبال وعناق الوداع لكل قادم لمصر ومغادر لمصر!..
«الحلو» الذى أتكلم عنه.. هو أول انطباع وآخر ذكريات عن مصر المحروسة!. «الحلو» ليس فيه هفوة فى الإنشاء والمعمار والإبهار.. ومع ذلك «الحلو مايكملش» على رأى المثل.. ونحن من جعلناه لا يكتمل وليس المثل.. لأن هذا المطار بما أنفق عليه.. يستحق أن يكون فى صدارة مطارات العالم. لكننا بتفكيرنا وعملنا.. جعلناه «مايكملش»!. «فين» الموضوع!.
بعد ظهر الأحد الماضى.. تصادف وصول طائرتين.. إحداهما خطوط الإمارات. صالة الوصول مصممة على استقبال طائرة واثنتين وأربع فى آن واحد!. التصميم لم يترك شيئًا إلا وتداركه!. أيًا كان عدد الركاب القادمين.. أول ما يواجههم عدد كبير من نقاط الجوازات.. وهو أول إجراء يواجه الراكب.. وأول اختبار حقيقى لإمكانات المطار البشرية!. هنا يتعرف الراكب على نوعية الإدارة!.
قبل التعرف على ما حدث يوم الأحد.. أتوقف أمام أمر هو قائم من سنين طويلة!. هو فى تقديرى انتقاص لكل مصرى فى مطارات بلده!. هو إجراء قائم حتى اللحظة.. ما كان يجب أن يكون أصلا.. ومنتهى الدهشة والغرابة أن يبقى مستمرًا.. وربما يكون هذا الإجراء هو السلوك الوحيد غير المبرر الذى تتخذه حكومة ضد شعبها!.
كل دول العالم فى مطاراتها.. أماكن خاصة لإنهاء إجراءات مواطنيها!. المواطن يدخل صالة السفر.. يجد نقاط جوازات خاصة له لا يشاركه فيها الراكب الأجنبى.. وهكذا فى بقية الإجراءات.. وهذا الأمر ليس فيه تفضل على المواطن ولا تزلف للمواطن.. إنما هو حق المواطن أن يحظى بطابور خاص لأبناء الوطن فى سفرهم وقدومهم.. لأنه فى بلده وعلى أرض وطنه!. لماذا نحن الدولة الوحيدة التى لا تفعل هذا؟. أحد لا يعرف!.
هل هناك سبب يمنع ذلك؟ لا أحد يعرف!. ربما كان الأمر مقبولا من الناحية النظرية وقت كان لا يوجد لدينا إلا مطار واحد.. فيه صالة سفر وأخرى وصول وكلتاهما تتحمل ركاب طائرة بالعافية!. ربما كانت المساحة لا تسمح بتخصيص أماكن لإجراءات المصريين وحدهم!. إن كانت تلك النقطة السبب.. فهى غير موجودة ومصر عندها الآن ثلاثة مطارات عالمية التصميم وعالمية الإنشاء وعالمية التنفيذ.. والأحدث فى كل مطار بالعالم!. أرجوكم إعادة النظر فى «المسكوت عليه» من سنين!. ما أرجوه منكم قرار إدارى.. يملكه مدير المطار.. هل يحدث؟.
أعود إلى يوم الأحد ومطار «2» المبهر.. وصالة الوصول التى استقبلت طائرتين وهى مصممة لأكثر من ذلك بكثير.. هى جاهزة لتوفير الرفاهية والراحة واليُسر على الراكب.. والعبرة فى الإدارة.. إما أن تجعلها واحة أو تحولها إلى جهنم!. ابحث عن الإدارة تجدها وراء كل نجاح وأيضًا خلف كل فشل!.
صالة الوصول الحديثة الكبيرة المبهرة.. تحولت إلى سوق مزدحم ليس له صاحب.. بسبب الإدارة!.
الصالة كما ذكرت جاهزة لاستقبال أى عدد من الركاب.. لذلك فى تصميمها عدد كبير من نقاط (كاونتر) الجوازات وهى أول إجراء.. والعدد الموجود فى التصميم مصمم علميًا لأجل إنهاء الإجراءات لأى أعداد فى دقائق!.
الذى حدث يوم الأحد.. أن الركاب دخلوا الصالة.. والمتاح 2 «كاونتر» جوازات فقط!. طبيعة الأمور طابور طويل طويل إلى جواره طابور أطول!. إجراءات الجوازات للراكب الواحد.. لها وقتها ولابد منها ومستحيل الالتفاف حولها لأنها إجراءات أمن وطن!. الوقت يمر.. ويكون طويلا على من مكثوا فى الجو ساعات داخل حَيِّز الطائرة الصغير.. وفوجئوا بأنهم «أسرى» طابور طويل على الأرض فى المطار حركته بطيئة.. وكان بالإمكان أن يكون الانتظار قليلا.. لو أن المطار احترم إنسانيتهم وبدلا من 2 «كاونتر» لإنهاء الإجراءات.. ستة أو سبعة تعمل!.
الوقت يمر.. ساعة بأكملها.. وإنهاء أول إجراءات الوصول صعب صعب!. الركاب.. دخلوا فى الساعة الثانية انتظارًا.. ولا حياة لمن تنادى!. الهمس بين الركاب بمرور الوقت بات حوارًا واحتجاجًا وفى النهاية صراخًا.. لأن ما يحدث لهم بكل المقاييس عقاب وليس استقبالاً!.
عندما عَلَتْ الأصوات وزاد الصراخ.. فتحوا «كاونتر» ثالثًا.. لكن بعد ساعتين انتظارًا لإنهاء أول إجراء والذى هو أول انطباع للقادم إلى مصر!.
الانطباع بكل أسف صادم وسيىء وكأننا العدو الأول لنا!. هل نحن «نتفنن» فى إجبار القادم لنا على أن يكره نفسه لأنه جاء برجليه لبلدنا؟.
الأجانب الموجودون بصالة الوصول فى ذهول من التناقض الرهيب الذين هم فى رحابه!. صالة وصول مطار هو الأحدث بالعالم.. بالتأكيد الإبهار لم يأت من فراغ.. إنما من فكر وتخطيط حديث ورائع.. الذى حَيَّرَ الأجانب.. من فكروا وخططوا ونفذوا هذا الصرح العظيم.. أين هم من فوضى الإدارة التى هم فريسة لها على مدى ساعتين انتظارًا وصراخًا للركاب واستهتارًا وبَلَادَةً لمن يتولون الأمور!.
الزحام والطابور الطويل أمام الجوازات.. هو نفسه أمام الجمارك.. لكن بعد ساعتين وربع ساعة من دخول صالة الوصول!. الصراخ تحول إلى هستيريا غضب!. بين الركاب من هم يعملون فى الخارج ومنهم من هو قادم بعد غياب سنوات.. فرحة الوصول للوطن.. اغتالتها فوضى الإدارة!. الفرحة تحولت إلى حَسْرَة!.
الحسرة على أننا أنشأنا صرحًا عظيمًا ولا نعرف كيفية إدارته!. مثل من اشترى سيارة هى الأحدث وهى الأغلى وقام بقيادتها وهو لا يعرف القيادة.. والباقى حضراتكم تعرفونه!. هو فى المستشفى.. كسور فى رجل وذراعين و»قفا».. والسيارة الباقى منها.. شكمان والنمرة الخلفية!.
السؤال الذى يتبادر إلى الذهن.. هل المسألة صعبة؟. الإجابة أبدًا والله.. لا مستحيلة ولا صعبة ولا هى فوق قدراتنا!.
إنها الإدارة.. وأول مبدأ فيها.. ليس كل إنسان ميسرًا له أن يكون قائدًا أو مديرًا!. هناك جزء لا علاقة له بالشهادات والخبرات.. أتكلم عن الموهبة.. موهبة القيادة وهى منحة من الله لبشر دون بشر!.
هذه المنحة أو تلك الموهبة.. عندنا وموجودة.. لكنها بكل أسف لم تأخذ مكانتها.. لأن عندنا موروث أهل الثقة قبل أهل الموهبة والخبرة!.
الإدارة.. نظام والتزام ومتابعة وثواب وعقاب!. ونحن عندنا على مستوى الدولة.. القوات المسلحة نموذج للنجاح!. لماذا؟. لأن هناك نظامًا والتزامًا وتعليمات من القائد ومتابعة من القائد.. ومادامت هناك متابعة لتنفيذ الأمر.. لن يجرؤ أحد على التأخر فى التنفيذ.. لأن هناك عقابًا مثلما يوجد ثواب!. عندنا عشرات بل مئات المؤسسات الخاصة.. قمة فى النجاح.. لأنها قمة فى الإدارة.. لأن القيادة تعطى لمن يملك مقوماتها ولا مكان هنا لمجاملة.. لأن فشل الإدارة يُغْلِقُ الشركة أو المصنع قبل أن يبدأ!.
نعود إلى المطار «2» وما حدث يوم الأحد.. والذى حدث قصور واضح.. سهل تداركه أيًا كانت الأسباب!.
بداية.. فيما يخص جزء الجوازات التى هى أساس ما حدث.. أعلم مقدمًا.. أن الشرطة بكل تخصصاتها.. ضباطًا وصفًا وجنودًا.. بالتعبير العامى.. «جابوا آخرهم» فى السنوات الست الماضية!. الشرطة كانت الهدف الأساسى الأول فى مؤامرة تقسيم مصر!. حملة مخابراتية رهيبة.. هدفها إسقاط الشرطة المصرية!. حضراتكم نسيتم كيف بدأت!. كيف بدأ تحريض الشعب على كراهية الشرطة!. نجحوا فى تضليل عقول وزرع غضب فى صدور.. قدمت لنا شبابًا انمحت ذاكرته ونسى أن الشرطة هذه.. هى أخويا وأخوك و»أبويا» وأبوك وخالى وخالك!.
زرعوا الغضب والكراهية للشرطة فى العقول والصدور.. وحصدت الشرطة «المحصول» فى حرق الأقسام واقتحام السجون واستهداف رجالها بالقنابل والتفجيرات!. ست سنوات وأكثر.. قدمت الشرطة فيها قرابة الـ1000 شهيد وفوق الـ20 ألف جريح!.
أعلم مقدمًا.. والأحداث فى السنوات الست هى التى أوضحت أن الشرطة فى حاجة إلى ضعف عدد ضباطها.. هذا ما أوضحته الأحداث.. وهناك سنتان من السنوات الست.. الضباط والأمناء والجنود فى الشارع ليل نهار!. الضباط.. باليومين والثلاثة.. لا يرون بيوتهم وأسرهم!. حاليًا رجل الشرطة.. هناك من يعمل 12 ساعة متواصلة فى الكمين أو الوردية.. والـ12 ساعة الباقية.. ثلثها مواصلات وتبقى 8 ساعات.. عليه أن يوزعها مابين النوم واحتياجات الأسرة ومشكلات الحياة الأخرى!.
أعود للمطار وما حدث يوم الأحد.. ربما يكون هناك قصور فى أعداد ضباط الجوازات.. والمؤكد ذلك.. لأننى كما قلت.. السنوات الست أحداثًا.. أوضحت احتياج الشرطة إلى مضاعفة عدد ضباطها.. وهذا الأمر يحتاج إلى سنوات ولن يتم بين يوم وليلة!. طيب.. والحل!.
الحل عند الإدارة.. والإدارة موهبة قبل أن تكون منصبًا!.
المطارات.. شكلاً وموضوعًا.. تغيرت جذريًا.. وقدرات الاستيعاب للطائرات إقلاعًا وقدومًا.. تضاعفت عشرات المرات.. وهذا التطور فى المنشآت.. لم نستعد له بشريًا فى الأفراد!. مطار جديد.. معناه.. هيكل إدارى جديد فى كل التخصصات.. بداية من المهبط.. مرورًا بأبراج المراقبة الجوية ونهاية بصالات المطارات والعاملين فيها.. والجوازات جزء منهم.. بل هو أول إجراء وأول انطباع!.
فى اعتقادى عدد الضباط والأمناء فى الجوازات.. قليل.. فى مواجهة عدد ركاب كبير!.
هناك حل عاجل وهناك حلول تحتاج إلى وقت!.
العاجل والذى لابد منه لأنه.. إما أن يكون جاذبًا أو صادمًا.. لأن «كاونتر» الجوازات هو أول من يستقبل الراكب.. مواطنًا مصريًا كان أو سائحًا.. والاثنان حقهما أفضل استقبال!.
عدد الضباط القليل هو ما يجبر من يتولى الإدارة.. على فتح «كاونتر» واحد أو اثنين.. فى مواجهة ركاب طائرتين أو حتى طائرة.. فيحدث ما يحدث!.
عندى فكرة!. عندنا أكثر من مطار.. وكل مطار فيه صالة وصول وأخرى سفر. وكل صالة على مدى ساعات اليوم مخصص لها عدد من الضباط فى كل وردية من ورديات العمل الثلاث للضباط التى تغطى اليوم!.
مواعيد وصول أو مغادرة الطائرات لكل صالة معروفة ومحددة.. قد يحدث تأخير وأيضًا يكون معروفًا!.
لماذا لا تكون هناك مرونة.. والأوقات التى ليس فيها طائرات فى صالة.. يتم الاستعانة بضباطها لصالة أخرى لكى يكمل كل «كاونتر» جوازات فيها.. تيسيرًا على الركاب.. وما كان يتم فى ساعتين ينتهى فى 20 دقيقة.. والمردود عظيم على الجميع!. أول انطباع للراكب.. سائحًا أو مواطنًا.. إيجابى ومبهر.. للسائح والمواطن!. للسائح.. لأننا نحتاج إلى تكرار مجيئه.. والمواطن المصرى.. لأنها ترفع معنوياته وتشعره بانتمائه ومصريته وتكون نموذجًا ودافعًا له على النجاح فى عمله.. لأن النجاح فى المطار.. عدوى نجاح تفرض نفسها على كل مكان!.
هذا ما يخص الراكب.. أما الضابط الذى انتقل من ورديته إلى آخر.. يكون ذلك عملا إضافيًا يتقاضى عليه أجرًا إضافيًا.. يتم تقديره بحساب سرعة إنجاز الإجراءات.. وكلما كانت فى أقصر وقت.. ارتفعت المكافأة!. المكافآت الإضافية من وزارة الطيران.. والتقارير التى تحدد وقت الإجراءات.. أيضًا من المطار.. والأهم أن يكون هناك تقرير عن كل رحلة.. الراكب.. هو الأهم فيه.. ولا شىء آخر.. لأننا شيدنا هذه المطارات بمليارات الجنيهات.. من أجل عيون هذا الراكب وإرضاء هذا الراكب.. لأن هذا الراكب هو من سيسدد هذه المليارات.. وإن لم يحضر هذا الراكب.. لن تكون هناك طائرات.. ولا وصول ولا مغادرة ولا صالات ولا حتى جوازات!.
تلك كانت فكرة أو اجتهادًا لأجل حل مشكلة.. أظنها مزمنة وليست حالة طارئة.. وهناك فكرة أخرى إن تعذر تطبيق الأولى.. وهى استدعاء العدد الذى يكفى من ضباط الجوازات الذين خرجوا إلى المعاش.. وعلى كادر خاص.. للتوفيق بين الأقدميات وما يظهر من مشكلات أخرى!.
هذا عن مشكلة واحدة تطبع الانطباع .. ماذا عمن يرسخ الفوضى؟. التدخين ممنوع فى أى مطار وكل مطار إلا المطار تبعنا!. العاملون بالمطار هم من يدخنون وطبيعى أن يقلدهم الركاب!. الحجة أن منهم من يعمل 12 ساعة ولا يستطيع مغادرة مكانه.. ويضطر للتدخين أمام الجميع.. الذين يرون المنظر قمة الفوضى وانعدام الإدارة!. اسألوا من كانوا يعملون فى الشركة الفرنسية التى شيدت المترو وأدارته لسنوات ومنعت التدخين فى المترو ومحطاته.. التى تستقبل ركاباً فى اليوم يعادلون ركاب كل مطاراتنا فى سنة.. والإدارة المنضبطة نجحت فى جعل المترو ومحطاته عنواناً للنظافة وعنواناً للانضباط وعنواناً للرقى!. رحلت الإدارة الفرنسية.. عمت الفوضى المترو ومحطاته!. احذروا السكوت على الفوضى.. لأنه يأخذ المطار إلى طريق المترو!.
عفوًا أيها السادة.. «الحلو» لابد أن يكتمل.. والمطار العظيم.. يستحق منا إدارة أعظم!