"هذه بلادهم من حقهم استعادتها. ليست المشكلة في خروج المسلمين من الأندلس. كانت المشكلة في دخولهم بلاد النصاري. لا تنس أني مسيحية. نحن أصل الأندلس". توقفت كثيرا أمام تلك الجمل الصادمة التي قالتها ماريا المسيحية للفارس المسلم يوسف الذي كانت تناديه موسي. في رواية الروائي الكبير محمد جبريل "حلق وحيدا".
قرأت هذه الرواية التاريخية التي تستلهم من التراث حقبة ضياع الأندلس من أيدي المسلمين. وغيرت داخلي كثيرا مما تعلمته عن الأندلس المسلمة في حصة التاريخ بالمدرسة. تعلمنا منذ الصغر أن الأندلس حسناء الزمان والمكان هي ملك المسلمين الذي ضاع بسبب خلافاتهم وتفرقهم وصراعاتهم وفتنهم وثوراتهم حول السلطة والمال والحكم حتي تمزقت أوصال المملكة الإسلامية وتحشرجت أنفاسها.
كانت غرناطة هي آخر ما سقط من المدن الأندلسية التي عاشت مصيرها التعس. قرطبة وطبرية والعلي وشلب والخزانة ومدشوشة وبطرنا والحرة واشبيليه وشربش ونشؤونة وقادس وشلوقة وغليانة وروضة وبلنسية ومرسيه وشاطبة وجيان ودانية وأرض الفرانتيرة والمرية ومالقة وغيرها.
ويطرح استاذنا محمد جبريل عبر الرواية الكثير من التساؤلات حول أحقية المسلمين في الأندلس. خاصة وأن الممالك الاسبانية النصرانية منذ أوائل القرن الثالث عشر كانت ثلاثا فقط هي قشتالة وأزاجون والبرتغال. فيقول: هل دخل المسلمون الأندلس للتدمير والاستلاب أم لاقامة حضارة زاهرة؟. وهل كان الفتح العربي هدفا. وهل حارب المسلمون لتوسيع الدولة أم لنشر الإسلام؟. وكيف انتهي الأمر بتنازل عبدالله الأحمر عن الحكم للقشتاليين؟.
ويسوق استاذنا محمد جبريل رأيا فاصلا في الرد علي تلك التساؤلات الشبهات بأن الإسلام فتح بلادا ومن بينها الأندلس النصرانية كانت تتوق في الأصل للحرية والعدالة والمساواة. ولم تنشغل تلك البلدان بالجيوش الفاتحة قدر انشغال أهلها بالخلاص مما يعانون. والفتح له معنيان: دخول الدين الإسلامي بكل ما يحمله من قيم وليس دخول جيش المسلمين للاستيلاء ونهب الثروات. والفتوح هدف إسلامي يعني دائما بفتح أبواب البلاد لعقيدة الإسلام وللحضارة الإسلامية.
وحين دخل العرب المسلمون الأندلس كانت تعاني ظروفا قاسية في حكم القوط كما كان الاسبان في معاناة من وطأة حكم الرومان ومملكة الفرنج وبدت الأندلس ساحة لمعارك البربر والمولدين وجاء 7 آلاف مقاتل يقودهم طارق بن زياد وفي السنة التالية عبر موسي بن نصير المضيق علي رأس جيشه وواصل الزحف بعد فتح اشبيلية ومدن أخري حتي التقي طارق بن زياد فاكتمل الفتح. وجاءت جيوش عقبة بن نافع. لكن لم تلبث الدولة الأموية أن انهارت.
في النهاية يري جبريل ان الخطر وحد النصاري بينما عمق خلافات المسلمين. وهي الصورة التي لا تزال قائمة حتي الآن. في الأزمات يعتصم النصاري. أما العرب والمسلمون فيخلقون الأزمات بخلافات لا معني لها. ولا يزالون منشغلين بصراعاتهم.