المساء
أحمد عمر
الجوع كافر
اختلطت الأولويات فسقط المواطنون بين مطرقة حكومة لا تجد غضاضة في جباية الفكة من جيوب البسطاء.. وسندان الأصحاب الجدد للبيزنس الذين خلعوا أي دور اجتماعي وإنساني لمشروعات المال والأعمال فاكتشفنا لهم وجوها مشوهة لا تعرف الرحمة ولا يردعها قيم ولا تقاليد.. الغش التجاري ليس جديدا علي مجتمعنا ولا مجتمعات الآخرين.. لكنه انتشر وتوسع وتوغل وكذلك الفساد.. ضربات "الرقابة الإدارية" تبدو في نظر البعض وكأنها أعمال انتقامية وألاعيب سياسية فلا تخيفهم ولا يحقق الإعلان عنها الردع المطلوب طالما أنهم يسرقون ويرتشون ويبدون الطاعة والولاء لأولي الأمر.. هكذا ينظرون وهم يتنفسون فسادا بينما الكبار المنغمسون في السياسة بحكم مواقعهم العالية خائفون أيديهم مرتشعة وقراراتهم مرتابة يتحكم فيها ربما موظف صغير يقبع في الصفوف الخلفية حيث لا يراه أحد.. يحرك الكبير كقصاص الأثر الذي تتحرك خلفه القافلة بأكملها.. لدينا في الجهاز الإداري الآلاف من قصاصي الأثر في كل المواقع.. خبراء في دهاليز غابات القوانين والتعليمات الحاكمة لمؤسساتهم ومواقعهم.. يجيدون لعبة تستيف الأوراق حتي يبدو اللص أشرف الشرفاء.. والشريف أهبل وفاشل ومجرم عتيد يتجرأ علي مخالفة القانون وانتهاك قواعد العدالة وأصول الشرف والنزاهة ومعشوقتنا المساواة.. الكل يدفع.. هكذا يقول صاحب شركة المقاولات... أصحاب المصالح سواء كانوا ضباطا أو مستشارين يدفعون للموظفين في الأحياء للحصول علي رخصة مباني الخدمة دليفري.. تمسك بالفضيلة ستظل سنوات تدور في حلقة مفرغة ولن تصل لشيء.. القانون في مجتمع الفساد يطبق علي المتلزمين فقط.. صار كالعفريت لا يظهر إلا لمن يخافه.. في مؤسساتنا المتحكمة في الحياة اليومية للمواطنين كهنة ملهمين في شئون عفاريت القانون وصرفها وتحضيرها.. صار عاديا أن تجد أمين شرطة يتحكم في المأمور.. وموظف شئون قانونية يرعب المحافظ.. واستثمارات هامة ذات نفع عام يعطلها الروتين منذ سنوات.. وأخري خاصة تمضي بسرعة الريح لا يوقفها روتين ولا غيره.. الواقع المرير لم يعد خفيا.. إنما نراه في وضح النهار وعلي قارعة الطريق.. نتعجب نندهش ولا نستطيع أن نمسه.. كل المسئولين باتوا في نظر الشارع فاشلين أو متواطئين. كثيرون لا يشعرون بالعدالة وإن كانت نوايا الحكومة غير ذلك.. النوايا الطيبة لا تغني عن العمل الجيد.. الناس يحتاجون إلي لمس العدالة.. التغني بها يزيدهم إليها نهما واشتياقا.. من غير الحكومة مسئول عن هذه الحالة الملتبسة؟
الخطايا عادة إنسانية.. فلو كان البشر ملائكة ما كانت هناك حاجة لسن القوانين وتغليظ العقوبات.. ومن الجيد أن تعمل الحكومة علي إقامة مشروعات قومية كبري علي ألا يكون هذا مبررا لخنق المواطن وإغراقه في المشكلات اليومية.. هذه تصنع تلك.. الفقر المعجون بالظلم يصنع الفساد.. والفساد يزيد الفقر عمقا.. إنها الحلقة الجهنمية التي يغزي بعضها بعضا.. لا قضاء علي الفساد إلا بمكافحة الفقر.. فالجوع كافر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف