مؤمن الهباء
مؤتمر الأزهر والفرصة الضائعة
في يوم الثلاثاء 28 فبراير الماضي انعقد مؤتمر "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل" برعاية الأزهر ومجلس حكماء المسلمين.. شارك فيه شخصيات قيادية من 50 دولة عربية وإسلامية.. ومن الكلمات المهمة التي كانت علامة مميزة في هذا المؤتمر كلمة الشيخ أحمد قبلان ممثل رئيس المجلس الشيعي الأعلي في لبنان التي قال فيها إن الأزهر الشريف يمثلني كمسلم موحد بالله.. وأنا شيعي من مدرسة الإمام جعفر الصادق.. والأزهر الشريف الصادح بألفة الناس وحب الأمة والداعي لتوحيد الكلمة.. وهذه قناعة الشيعة في قم والنجف.. يقصد بذلك المرجعيات الشيعية العظمي في مدينة قم الإيرانية ومدينة النجف بالعراق.. وهما عاصمتا المذهب الشيعي وقاعدته العلمية.
ومع أن هذا الكلام ليس جديدا بالنسبة للباحثين في جذور الصراعات المذهبية والمهتمين بالدعوة إلي التقريب بين المذاهب إلا أنه كان مفاجئا لكثيرين داخل المؤتمر وخارجه.. فالناس من هول ما تري من حروب وصراعات وخلافات بين السنة والشيعة وبين إيران والعرب صارت مقتنعة باستحالة أن يلتقي هؤلاء وهؤلاء.. واننا يمكن أن نتحاور ونلتقي مع إسرائيل ومع الفاتيكان والهندوس والبوذيين وأتباع كونفوشيوس لكننا لا يمكن أبدا أن نجد نقطة نلتقي عندها مع الشيعة.. ومن ثم فالحرب يجب أن تستمر حتي يقضي بعضنا علي بعض.. ونصبح أمثولة بين الأمم.
لم يكتف الشيخ قبلان بالحديث عن الأزهر وللأزهر وإنما استطرد فدعا إلي فتح صفحة جديدة بين السعودية وإيران لإنهاء الخلاف بينهما.. كما دعا إلي "صرخة استيقاظ" عربية.. مشيرا إلي أن المنطقة العربية تعيش الآن علي وقع اختلافات وعداوات كثيرة.. تسير فيها الجنائز وتنهمر الدموع.. ولابد من وقفة عربية ضد ما يقع من دمار.. ولابد من صلح يوحد العرب ويلم شمل دينهم ويجعلهم في خندق واحد.
ومما يؤسف له أن هذه الدعوة قد ذهبت سدي.. ولم يكن لها أي صدي.. مع أن هذا المؤتمر كان من الممكن أن يقتنص الفرصة ويبني عليها.. ليبدأ بالفعل صفحة جديدة من الحوار والتفاهم واللقاء بين أهل السنة وأهل الشيعة لاطفاء نار الحروب المذهبية التي يشعلها أعداؤنا في كل بقعة من بقاع أرضنا العربية.
الحياة فرص.. والسياسة فرص.. والدعوة فرص.. والفرصة التي تضيع قد يمر وقت طويل قبل أن يتاح مثلها.. والحضور في مؤتمر "الحرية والمواطنة" كلهم قامات عالية.. وقد قالوا كلاما مهما لا يقال عادة في المؤتمرات.. كانوا أكثر صراحة وأكثر تركيزا.. وكلمة فضيلة شيخ الأزهر تحديدا كانت أكثر من رائعة.. وضعت نقاطا علي حروف كثيرة.. لذلك تعجبت أن تفلت من هذه القامات فرصة كانت سانحة للإعلان عن الدخول في حوار ضروري ومشروع بين السنة والشيعة.. حوار موسع وطويل وعلي مراحل يبدأ بين قادة الرأي والفكر في الجانبين وقد ينتهي بين الزعماء السياسيين وأهل الحكم كما يحدث بين المجتمعات المتحضرة التي عرفت كيف تحل مشاكلها وصراعاتها بالحوار وليس بالمدافع.
ومهما كانت المشكلة معقدة فالحوار مطلوب.. واللقاءات مطلوبة.. وقد تصورت للحظة أنه بالامكان أن تكون كلمة السيد قبلان بداية الخيط لهذا الحوار.. وأن يدعوه شيخ الأزهر لمكتبه كي يوجه له الشكر علي مقولته "الأزهر يمثلني".. ثم يسأل: من من المراجع الشيعية يستطيع أن يقولها مع قبلان.. ومن قالها نفتح معه حوارا علي هذه الخلفية "الأرضية".. فالأزهر ممثل الوسطية الاسلامية وهو جامع الفرق والمذاهب.. وهو الذي أفتي في أربعينيات القرن الماضي بأن المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشر هو المذهب الاسلامي الخامس الذي يجوز التعبد به إلي جانب المذاهب الأربعة المعروفة.. وهو الذي وافق علي أن تتزوج أميرة مصرية سنية من شاه إيراه السابق الشيعي.
لقد شهد تاريخ الأزهر الشريف دورا عظيما في التقريب بين المذاهب الاسلامية في الفترات الحرجة.. وكنا نتعشم ان يدخل بمؤتمره الأخير التاريخ مرة أخري لنزع فتيل الصراع المذهبي بين السنة والشيعة.. لتتحارب الدول باسم السياسة وباسم المصالح الدنيوية وليس باسم الدين ولا باسم الله.. المسيحيون تقاتلوا فيما بينهم قديما وحديثا.. والمسلمون تقاتلوا فيما بينهم قديما ويتقاتلون الآن.. وسوف يتقاتلون غدا.. وهذه الحروب يجب أن تكون بعيدة عن الدين وعن استغلال خلافات المذاهب.. ليظل الدين نقيا بريئا واحدا.