لن نجادل فى أن ما يحدث فى العريش قضية أمن قومى، وأن الوطن مستهدف قبل الأقباط، وبالتأكيد ما حدث للأقباط مرتبط بتضييق الخناق على الإرهابيين فى جبل الحلال، وبالطبع الخوف على الدولة شعور بديهى لأى وطنى، ولكن إنكار الحقائق أكبرخطرًا على الدولة والأمن القومى، ولن نختلف على المصطلح (نزوح إن كان أو تهجير أو فرار) وفى كل الحالات تم ذلك لسببين:
الأول: الخوف على الحياة وتعرضهم للخطر، والثانى أن أجهزة الأمن بالطبع لم توفر لهم الحماية الكافية فاضطروا إلى ترك كل ممتلكاتهم وأغلب أمتعتهم وهربوا إلى الإسماعيلية.
لكن قداسة البابا أعرب فى بيان له، الأربعاء28 فبرايرـ جاء فيه:
«فى البداية أود أن أعزى أبناءنا الأحباء فى العريش وشمال سيناء وإحساسهم بالخطر، ووقوع هذا الخطر جعلهم يتركون منازلهم لفترة، إلى منطقة مجاورة، وهذه تعتبر أزمة عابرة، وأنا واثق تمامًا أنه مع مجهودات الدولة الطيبة وتوجيهات السيد الرئيس ومشاركة كل الوزراء والجامعة فى قبول أبنائنا فى المدارس وفى الجامعة، وفى تخفيف آثار هذه الأزمة الطارئة وأثق تمامًا أن هذه المجهودات عندما تكتمل سيعودون إلى أماكنهم التى يختارونها للسكن».
واستطرد صاحب القداسة: «تعبير تهجير الذى شاع فى الإعلام هذا تعبير مرفوض تمامًا، نحن نسكن فى الوطن ويتعرض أبناؤنا فى القوات المسلحة والشرطة ومؤسسات الدولة وأبناؤنا المصريون الأقباط كما المسلمون أيضًا يتعرضون لهذا العنف، الذى نصلى أن ينتهى، وأن يعود هؤلاء الذين يرتكبون هذه الأعمال إلى رشدهم، ويستمعون إلى صوت ضمائرهم».
عفوًا يا صاحب القداسة، نحن نثمن دور القوات المسلحة المجيدة فى مكافحة الإرهاب، ولكن نزوح أو فرار أو تهجير الأقباط لم يتم «بمزاجهم» بل بعد أن قام الإرهابيون 21 فبراير الماضى بقتل ستة من المواطنين المصريين الأقباط فى أسبوعين، والتنكيل بجثثهم وحرقهم ومنازلهم أمام أطفالهم، وتكون المحصلة لاستهداف الأقباط فى شمال سيناء على الهوية منذ 2012، وحتى الآن 17 شهيدًا.
إضافة إلى التهجير القسرى لعشرات الأسر فى سبتمبر 2012، على أثر هجوم ملثمين على محلات وممتلكات الأقباط، وتوزيع منشور تحذيرى يمهل الأقباط فى رفح 48 ساعة للرحيل عنها، ومن ثم تم للأسف تهجير أقباط رفح، تلا ذلك استهداف آباء كهنة ومواطنين فى حوادث متفرقة، من أبرزهم الكاهن مينا عبود فى يوليو 2013برصاص ملثمين، ومن بعده الأب رافائيل موسى فى يونيو 2016، ومنهم تاجر الأدوات الصحية مجدى لمعى، الذى وجد مذبوحًا فى الشيخ زويد، كل هؤلاء أعلنت «ولاية سيناء» الإرهابية مسئوليتها عن كل تلك الحوادث.
القضية بالطبع لها وجه «طائفى» بلا شك.. ولكنها قضية أمن قومى بالأساس، وسبق للكاتب أن نشر خمسة مقالات منذ أغسطس 2011 وحتى الآن «ولا حياة لمن تكتب»، لأن الجرائم المتعاقبة من الإرهابيين فى سيناء لن تتوقف رغم القدرات القتالية لقواتنا المسلحة المجيدة.. ما لم تحل مشاكل سيناء جذريًا، لأن عدم حل تلك المشاكل جعل من شمال سيناء «بيئة حاضنة».
مشاكل سيناء نشأت منذ تأسيس محمد على لمحافظة العريش 1810، واندلاع أول تمرد سيناوى 1831 ضد سياسة محمد على التى لم تعترف بحقوق أهل سيناء فى تملك الأراضى، وحتى 1950 تمرد أهل سيناء على حكم الأسرة العلوية 14 مرة، أى مرة كل 8 سنوات، وفى ثورة يوليو تحمل أهالى سيناء ثلث الخسائر المادية والبشرية التى تحملها المصريون فى حروبهم مع إسرائيل (1956 - 1967 - 1973)، وبعد انتصار 1973 أجهضت محاولات التنمية بتدخلات أمريكية إسرائيلية بشهادة شارون (هاآرتس 14/5/1998). وفى عصر الرئيس السابق مبارك تجدد التمرد من 2006 حتى 2010، بلغت محاولات التمرد 60 عملية، أى عملية كل شهر.
عفوًا قداسة البابا، كيف سوف أشرح للأطفال أنهم غير «مهجرين»، «حاللنى»، أنا أحب هذا الوطن وجيشه وشعبه وقواته المسلحة والرئيس السيسى، وسجنت وشردت وعشت حياة صعبة، من أجل وطنى، ولكن ضميرى لايحتمل أن أنكر «تهجير» أقباط العريش من الإرهابيين وعدم شعورهم بالأمن والأمان.
أقبل أياديك الوطنية «المفرطة» أحيانا تؤدى إلى عكس الهدف منها.