الصباح
طارق الطنطاوى
البيضة والحجر
كلما ارتفع الدولار ارتفعت الأسعار، وكلما انخفض الدولار انتظرته الأسعار حتى يرتفع مرة أخرى !!!
هذه المعادلة المختلة تؤكد أن أهم أسباب ارتفاع الأسعار لم يعد ارتفاع سعر الدولار، ولا حتى جشع صغار التجار بل احتكارات شهبندر التجار، ولحظنا العاثر فقد أصبح لدينا أكثر من شهبندر.. ولقد عجزت عن إيجاد جمع لكلمة شهبندر، فيبدو أن أجدادنا لم يكن لديهم سوى شهبندر واحد، وليس كذا شهبندر فى كل مجال، كما هو حالنا بالأمس واليوم، وقد يكون من الأسهل أن نطبق قواعد اللغة الإنجليزية، ونعتبر أن جمع شهبندر هو شهبندرز. خاصة أن هؤلاء الشهبندرز يرتبطون بعلاقات وثيقة ببلاد الإنجليز الممتدة شرقًا وغربًا.. فهم إما وكلاء لهم فى تسويق سلعهم لنا، أو وكلاء لهم فى تسويق آلاتهم ومعداتهم وخاماتهم الداخلة فى إنتاج سلع أغلبها يحمل أسماءهم وماركاتهم، وكأن ارتباطنا ببلاد الإنجليز والعمل لصالحهم قد بات قدرنا.
هؤلاء الشهبندرز لا يشبعون، ولا يتركون فرصة إلا واقتنصوها، تجدهم على الفضائيات يحملون الدولة وأجهزتها أسباب ارتفاع الأسعار وأسباب ارتفاع الدولار، وكل الأسباب والارتفاعات، يحملونها حملها وحملهم.. ويدعون أنهم يضحون ويتعاونون ويساعدون ويدعمون ويقترحون كل ما يصب فى صالح المواطن المطحون، لكنهم فى الليل يجتمعون ويتناقشون ويبحثون كيف سيقنصون ما تبقى فى جيوب هذا المواطن وبالقانون. نعم بالقانون، فلديهم مستشارون قادرون على استغلال ثغرات هذا القانون، مستشارون محترفون يجيدون توجيههم للعب فى المضمون، بل وقادرون على إخراجهم من أى حفرة فيها قد يقعون.
هؤلاء الشهبندرز ليسوا مختفون ولا متنكرون، حتى المثل بيقول على عينك يا تاجر، وهم لعيون التجار لحافظون، فهم المشترون الأولون، هؤلاء الشهبندرز معروفون، وعلى أصابع اليد فى كل مجال يعدون، فللأغذية شهبندرز وللأدوية شهبندرز وللأجهزة شهبندرز.
وللشهبندرز حارسون يحمون ويصونون ويمنعون عنهم الأذى حتى لو كان مجرد حسد العيون، لذلك تجدهم منطلقون محلقون وفى الأسواق معربدون، لا وزن لأحد يقيمون، ولا لرقابة يخضعون، ولا لمسائلة يخافون، ولا لعويل يتأثرون.
هؤلاء الشهبندرز أغلب الوقت ساكتون وخلف أسوارهم كامنون، لا يظهرون إلا عندما يثرثر المثرثرون عن تسعير ما يستوردون أو ينتجون.. وقتها يهبون.. يدافعون ويهاجمون.. وللإعلام يصرخون ويقولون نحن سوق حرة ولو كره الكارهون.
كيف تكون السوق حرة وأنتم بأركانها ممسكون؟. كيف تكون حرة وأنتم للسلع مسعرون؟. كيف تكون وأنتم للمنافسين طاردون؟. كيف وأنتم للقرارات التى تخدم مصالحكم محفزون وللتى تمسها مانعون؟.. لا والله أنتم الأحرار ونحن المقيدون وبنار الأسعار مكتوون.
ما أسهل العناوين وما أصعب المضامين.. لو أردتم أن ينطبق عنوان السوق الحرة على المضمون فعليكم بالمحتكرون. حددوا حصصهم فى هذا السوق حتى لا يتغولون، راقبوا مخازنهم حتى لا يخزنون ويكدسون، افحصوا دفاترهم حتى لا يتهربون، ارفعوا ضرائبهم فعلى الأقل نستفيد مما يجنون.
هؤلاء الشهبندرز لم يكتفوا بالدنيا وما يكنزون.. بل حتى الآخرة لم يتركوا.. فتجدهم يسعون إليها ويزاحمون، ينفقون جزءًا ضئيلًا مما يجنون على أقرب الأقربون، وإن نودى للصلاة فهم السباقون، ولما تحين العمرة يعتمرون، ومعظمهم بالحاج يلقبون، وكأن الله غافل عما يعملون.
هؤلاء الشهبندرز دجالون.. وبالبيضة والحجر يلعبون.. لكن إلى متى ستظلوا تتفرجون.. البيض ينفذ والحجر يطحن ما هو بالفعل مطحون.. انتبهوا أيها الغافلين.. فهناك يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف