الجمهورية
السيد هانى
لماذا لا يصنع العرب سلاحهم بأيديهم؟.."2"
طرحت السؤال في مقال الأسبوع الماضي.. لماذا لا يصنع العرب سلاحهم بأيديهم ؟.. وسقت 4 أسباب تدعو الي ذلك: 1- الأخطار المحدقة بالعالم العربي من الخارج والداخل.. 2- استباحة أراضي 5 دول عربية من الخارج وتشريد شعوبها.. 3- تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة.. 4- امتلاك العرب للأموال والعقول القادرة علي تصنيع أحدث أنواع الأسلحة وأكثرها تطورا في العالم..
سأبدأ اليوم بالإشارة الي العرض العسكري الروسي غير المسبوق. الذي جري في الساحة الحمراء أمام الكرملين أول أمس..
- العرض حضره رؤساء 30 دولة في العالم..
- تضمن أسلحة عالية التقنية.. ليس لها مثيل في ترسانات الدول الغربية. بدءا من المقاتلة ميج 31.. طائرات التزود بالوقود في الجو.. المدفعية ذاتية الحركة ¢إس يو- 100¢.. الدبابة الأسطورية الأقوي في العالم ¢تي - 41¢.. الصواريخ الباليستية عابرة القارات التي تعمل بالوقود الصلب.. فضلا عن أسلحة الدفاع الجوي الفضائي..!!
- لم يكن الهدف الأساسي من العرض هو الاحتفال بمرور 70 عاما علي الانتصار علي النازية. كما أعلن الروس.. إنما كان الهدف الأساسي هو إرسال رسالة ¢شديدة الوضوح¢ من ساحة الكرملين في موسكو الي البيت الأبيض في واشنطن.. تقول: إن روسيا عادت بقوة لتملأ المكانة التي كان يشغلها الاتحاد السوفييتي السابق علي الساحة الدولية. وإن عصر القطب الواحد قد انتهي. وإن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب لم تضعف روسيا. وإن روسيا لها حلفاء من أقوي دول العالم.. جاءوا ليشهدوا العرض العسكري الروسي ¢غير المسبوق¢. ويشاركوا الرئيس بوتين شرب الأنخاب في هذه المناسبة. ويصفقوا له وهو يندد في كلمته بالسياسة الأمريكية..
- الإشارة الأقوي في هذا العرض.. كانت مشاركة قوات من الجيوش الصربية والهندية والصينية. الي جانب القوات الروسية.. إشارة لا تستعصي علي الفهم. كأنها تقول: إن تحالفا عسكريا في طور التكوين. يضم 4 من أقوي جيوش العالم.. يعتمد في تسليحه علي التكنولوجيا الروسية المتطورة. ويعمل بالحكمة الصينية التي تقول: ¢ أمسك عصا غليظة. وتحدث بصوت هادئ¢.. !!
***
- علاقتنا بالعرض العسكري الروسي ¢غير المسبوق¢. والرسائل المتبادلة بين موسكو وواشنطن.. تتمثل في أن أراضي الدول العربية هي الآن ساحة المواجهة بين العملاقين الروسي والأمريكي.. سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن.. طبعا بدرجات متفاوته.. لكن في النهاية: بلادنا هي أرض المعركة..!!
- لابد أن أضيف: وبأموالنا نشتري منهم الأسلحة التي تقصف بها المدن في سوريا والعراق وليبيا واليمن.. فتدمر بلادنا. وتدور عجلة المصانع العسكرية في بلادهم بالأموال العربية..
- لست في حاجة الي أن أضيف: أن القتلي والمصابين والمشردين والثكالي في هذه المعارك.. كلهم عرب !!.. لا هم أمريكان ولا هم روس.. ولا حتي إيرانيين..!!
- إذن نحن في حاجة الي عودة الوعي.. عودة العقول الي رءوسنا !!..
- أليس غريبا أن نحرم الخمر.. ونحن سكاري لا نفيق ؟..
***
ما سبق مقدمة أردت أن أستهل بها حديثي عن حاجة العرب لأن يصنعوا سلاحهم بأيديهم.. وهو حديث يستلزم أن ننظر حولنا لنعرف أين نقف بالضبط في هذا المجال..
- لنبدأ بالنظر الي الدول الفقيرة حولنا.. التي كانت في الفقر مثلنا.. لكنها شدت الأحزمة حول بطون شعوبها لتصنع السلاح.. عندما أدركت حاجة الإنسان الي قطعة السلاح قدر حاجته الي رغيف الخبز كي يعيش..!!
- لابد هنا أن أذكر المقولة الشهيرة لرئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو. عندما قام بتطوير البرنامج النووي الباكستاني بعد أن أجرت الهند تجربتها النووية الأولي ¢بوذا المبتسم -1¢ عام 1974.. كانت باكستان في ذلك الوقت تعاني أزمة إقتصادية حادة بعد خروجها من حرب شطرتها الي نصفين: بنجلاديش في الشرق. وباكستان في الغرب.. فقال بوتو ¢إذا صنعت الهند قنبلة نووية. سنأكل العشب والأوراق لألف عام ونجوع حتي نحصل علي قنبلة نووية.. إذا كان المسيحيون لديهم قنبلة نووية. واليهود لديهم قنبلة نووية. والهندوس لديهم قنبلة نووية.. لماذا لا يكون لدي المسلمين قنبلة نووية ؟؟¢..
- لقد أدركت باكستان ذلك الوقت أن بقاءها كدولة علي خريطة العالم. مرهون بإنتاجها القنبلة النووية فأنتجتها.. وعندما فاجأت الهند العالم بإجراء 5 تجارب نووية خلال 3 أيام فقط من 13 الي 15 مايو 1998. ردت باكستان علي الفور ب 6 تجارب نووية في أسبوع واحد خلال نفس الشهر.. لتصنع بذلك مظلة نووية أمنية تحمي شعبها.. ويعيش الشعبان الهندي والباكستاني جنبا الي جنب في ظل مانسميه ب ¢توازن الرعب¢ !!..
- كنت في تلك الفترة أتابع عن قرب الأوضاع في منطقة جنوب آسيا.. زرت باكستان والهند وأفغانستان. ووقفت علي خط وقف إطلاق النار فوق جبال كشمير. فتصادف في ذلك اليوم تبادل لإطلاق النار علي الحدود بين القوات الهندية والباكستانية.. كان ذلك أحد أيام الأسبوع الأول من شهر أغسطس عام 1999.. كنت أرتدي ¢خوذة نحاسية¢ علي رأسي وبصحبة مرافق من مقاتلي كشمير. فجذبني المرافق الي أسفل وانبطحنا أرضا حتي توقف القصف..!!
- في اليوم التالي.. التقيت رئيس الوزراء الباكستاني في ذلك الوقت نواز شريف - وهو رئيس الوزراء الحالي أيضا - ضمن وفد يضم معي 5 صحفيين من مختلف الدول العربية.. فقلت له ما سبق أن سمعته من المسئولين الهنود. وهو أن الهند لن تكون أول من يستخدم السلاح النووي في أي صراع ينشب مع جيرانها. ثم سألته: هل يمكن أن تعطني تصريحا مشابها.. وعدا بأن باكستان لن تكون أول من يستخدم السلاح النووي في الصراع مع جيرانها.. فقال لي: ¢لا.. لن أعد بذلك.. إنما أعد بأن باكستان لن تستخدم السلاح النووي إلا في حالة الدفاع عن النفس¢!.. وبينما كنت أصافحه في نهاية اللقاء. إذا به يمسك علي يدي ويواصل ما انقطع من الحديث بيننا في هذه النقطة.. قال لي بالحرف الواحد: ¢لقد اقتطعنا تكلفة إنتاج السلاح النووي من قوت شعبنا الضروري.. فإذا لم نستخدمه في الدفاع عن استقلال أراضينا وأمننا القومي.. متي نستخدمه إذن؟.. إننا لم نصنع السلاح النووي لنضعه في ¢فاترينة¢. ولكن لنستخدمه إذا ما تعرضت بلادنا للغزو.. لذلك يجب علي الهند أن تفكر في السلم ولا تفكر في الحرب.. لأن المنطقة يعيش بها أكثر من مليار وربع المليار نسمة.. سيواجهون الموت إذا ما اشتعلت الحرب بيننا¢..!
***
إن الوضع الإقتصادي لباكستان لم يكن في يوم من الأيام أفضل حالا من الدول العربية غير النفطية.. فباكستان أيضا دولة غير نفطية.. محدودة الموارد الطبيعية.. تعرضت خلال فترات متفاوتة للعقوبات الدولية بسبب إصرارها علي المضي قدما في برنامجها النووي.. رغم ذلك استطاعت أن تحقق لنفسها الإكتفاء الذاتي من الأسلحة التي توفر لها الأمن في مواجهة واحدة من أقوي دول العالم تسليحا وهي الهند.. بل أصبحت باكستان الآن واحدة من الدول المصدرة للأسلحة الخفيفة والثقيلة والإستراتيجية. بدءا من المدافع والدبابات.. مرورا بالطائرات بدون طيار ¢أبابيل - 3¢ وانتهاء بالصواريخ الباليستية بعيدة المدي.. بعد أن أنتجت الصاروخ ¢شاهين-3¢ الذي يصل مداه الي 4500 كيلو متر.. أي يغطي مساحة الهند بكاملها ويصل الي معظم المدن الأوربية.. هذا الصاروخ قادر علي حمل رءوس نووية. ومجهز بنظام تحكم بواسطة الأقمار الصناعية.. أنتجت باكستان أيضا غواصات ¢أجوستا¢ وغواصات ¢ميدجيت¢ الصغيرة. ولنشات صواريخ ¢جالات¢.. واستطاعت بناء فرقاطة من طراز ¢إف 22 بي¢ الصينية. كما تتفاوض مع ألمانيا علي إنتاج نسختها الخاصة من الغواصات ¢يو 214¢ بمواصفات متطورة.. وكذلك إنتاج نسخة متطورة من غواصات ¢ميرلين¢ الفرنسية.. وتقوم ترسانة كراتشي لبناء السفن ببناء سفن تصل حمولتها الي 26 ألف طن. بطول 213 مترا. وعرض 31 مترا..
***
علي الجانب المقابل قطعت الهند.. التي مازال يعيش أكثر من ربع سكانها تحت خط الفقر.. شوطا بعيدا في صناعة الأسلحة. بل يمكن القول إنها سبقت باكستان في غزو الفضاء بإطلاق مركبة فضائية. كما أنها حققت الإكتفاء الذاتي في إنتاج الغواصات والفرقاطات والصواريخ والدبابات والمقاتلات.. وأخيرا أنتجت حاملة الطائرات ¢فيكراماديتيا¢ التي يبلغ طولها 284 مترا. وبلغت تكلفتها حوالي 5 مليارات دولار. ودخلت الخدمة في 16 نوفمبر عام 2013.. لتكون الهند بذلك هي سادس دولة في العالم تبني حاملات طائرات بعد الدول الخمس الكبري: الولايات المتحدة. وروسيا. وبريطانيا. وفرنسا. واليابان..
- لعل من أهم أسباب تقدم الهند السريع في مجال الصناعات العسكرية. هو التعاون المشترك مع اسرائيل في هذا المجال.. فيكفي القول إن حاملة الطائرات الهندية - طبقا لما جاء في موقع ¢إسرائيل ديفنس¢ المتخصص في الشئون العسكرية¢- مزودة بمنظومات رادار وإنذار إسرائيلية. تجعلها قادرة علي الإختفاء عن أجهزة الرصد والرادار. بالإضافة الي منظومات التزود الذاتي بالطاقة الكهربائية. والصواريخ الإسرائيلية الصنع..
***
- مازال للحديث بقية في الأسبوع القادم إن شاء الله..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف