المصريون
جمال سلطان
عن واقعة اختطاف ياسر
الواقعة التي جرت قبل يومين مع الدكتور ياسر علي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية سابقا تحمل أكثر من إشارة خطيرة ، وأعتقد أنها كانت جديرة بالتأمل والتحليل والتعليق من المهتمين بالشأن العام في مصر وأحوالها هذه الأيام ، وما كان ينبغي أن تمر مرور الكرام ، فياسر تم اختطافه من قبل جهة مجهولة أثناء خروجه من أحد مراكز التسوق قرب منزله في التجمع الخامس حيث اختفى تماما ولا يعرف أحد أين توجه به خاطفوه ، والعملية تمت باحتراف وسهولة في مكان عام ، لم يعبأ المختطفون أن يلفتوا انتباه أحد ، وقامت أسرته ومحاميه بنشر واقعة اختطافه وتحميل السلطات الأمنية المسئولية عن حياته ، قبل أن يظهر ياسر بعد ساعات طويلة وهو في حالة إعياء شديدة حيث تعرض لاعتداء ، وكان غير قادر على الحديث حسب ما أفادت أسرته بسبب حاله الصحية والبدنية والنفسية ، ولكن الملاحظ أن ياسر لم يتكلم حتى الآن رغم تعافيه ، وأظن أنه لن يتكلم . من الواضح أن ما جرى لياسر علي لا يتصل بعمل جنائي ، فلا يوجد أي شبهة في سرقة أو ما شابه ذلك ، كما أن سيارته بقيت على حالها ، وهو ما يلقي بظلال من الشك حول تورط جهة ما في اختطافه ، غير أن الإفراج عنه بعد ساعات يعني أن هناك "ارتباكا" من نوع ما حدث ، وأن جهة أخرى ربما غضبت مما جرى مع ياسر علي وتدخلت وطلبت الإفراج الفوري عن المتحدث باسم الرئاسة في عهد الدكتور محمد مرسي ، وهو ما حدث بسرعة لافتة ، فلم يمكث يومين ولا ثلاثة ولا شهرا ولا شهرين ، وكان أمرا غير معهود ، ولم يتكرر منذ أواخر عصر مبارك عندما اختطف الزميل عبد الحليم قنديل وتعرض للاعتداء والتجريد من ثيابه قبل أن يطلقوا سراحه في منطقة صحراوية على طريق السويس ، ومثلما فعلوا بدرجة أقل عنفا مع المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري بعد اختطافه من مسيرة بوسط القاهرة . المدهش في الواقعة أن أي جهة تحقيق لم تفتح تحقيقا في واقعة الاختطاف أو تهتم بمعرفة "الجناة" أو تبدي قلقا حتى على سمعة "الأمن والأمان" في مصر ، رغم أن ما جرى حدث للمتحدث باسم رئاسة الجمهورية السابق ، فهو حدث ليس عاديا لشخص ليس عاديا ، كما أن ياسر علي نفسه وأسرته لم يتقدموا بطلب للتحقيق في الواقعة ، هناك ما يشبه توافقا بين كل الأطراف على أن هذه الواقعة لا تخضع للتحقيق ، أو أن الحديث عن "الجناة" فيها خط أحمر ، أو أن الوصول إلى الحقيقة فيها متعذر لظروف خارجة عن إرادة الجميع . ياسر علي أحد الجسور القليلة المتبقية خارج السجون بين الدولة والإخوان ، وهو من الأصوات الأكثر اعتدالا داخل الجماعة ، وكان قد اعترف مؤخرا ، والغرابة أن ذلك كان قبل اختطافه بأسبوع تقريبا ، اعترف أن الجماعة أخطأت بدخولها انتخابات رئاسة الجمهورية ، واعترف بصراحة أكثر بأن الجماعة لم تكن مؤهلة لهذه الخطوة ، وهو كلام نادرا ما تسمعه من كوادر الجماعة الآن ، ومثل هذا الكلام ليس من المنطقي أن يستفز السلطة ، بل المنطقي والبديهي أن يقابل بتفهم وترحيب ، باعتباره خطوة اعتذارية للرأي العام في مصر ، ربما تكون تمهيدا يفضي نحو "تسوية" ما أو مراجعات ما أو مصالحة بين الجماعة والدولة ، فهل هذه الخطوة أقلقت أحدا أو جناحا فحاول أن يقطع الطريق عليها ، ويخلط الأوراق من جديد ، خاصة ونحن نسمع تصريحات متناقضة من أطراف فاعلة في أعلى هرم السلطة حول فكرة المصالحة أو خطوة المصالحة ، فالرئيس عبد الفتاح السيسي يتكلم بإشارات متكررة عن أنه ليس ضد المصالحة وأنه لم يكن يريد أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه ، وأيا ما كانت صحة هذا الكلام إلا أنه يكشف عن توجه واضح لدى مؤسسة الرئاسة ، بينما على الجانب الآخر نسمع تصريحات رسمية ، من أجهزة أمنية وخبرائها المنتشرين في الفضائيات ، شديدة التشنج والعصبية والعنف تجاه أي حديث عن المصالحة أو تسوية ، بل وتهاجم أي صوت يتحدث عن المصالحة وتشوه فكرتها بالكامل .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف