المصرى اليوم
شاهيناز وزير
عوائد اضطهاد الأقليات
كنت أثني في أحد المجالس على الأكراد في مواجهتهم تنظيم داعش كنسيج متحد دون فرق بين رجال ونساء أو مسلمين وأيزيديين. لكن أحد الحاضرين اختلف معي قائلا: إن الأكراد علاقتهم طيبة مع إسرائيل وقد حالفوا أمريكا عند احتلال العراق، ولا يزالون، وبذلك فهم خونة لا يستحقون الثناء. قلت: «بصرف النظر عن أنك تخلط الأوراق ببعضها، إلا أنك تطالبهم بالدفاع عن العرب، في حين أنك لم تُطالب العرب يوما بالدفاع عنهم. فقبل أن تسأل الأكراد عن تحالفهم مع أمريكا للإطاحة بنظام صدام حسين اسأل عما فعله بهم ذلك النظام الذي كان يعاقبهم بالجملة بالأسلحة الكيماوية أو اسأل العرب ماذا قدموا للأكراد عموما سوى أن كثيرا من العراقيين العرب كانوا يستخدمون كلمة «كردي» كسُبة فيما بينهم ونعت بالغباء. نفس المشهد كرره ذلك النظام مع الشيعة، فدفع بكثيرين منهم للاقتراب من إيران خصوصا بتهميش الحوزة، وعندما تهمش حوزة النجف أفلا يتجه البعض لحوزة قم كبديل، خاصة بعدما قويت عقب الثورة الإسلامية؟. بعد الاحتلال وتمزق العراق بين أمريكا وإيران، جاء دور السنة ليُضطهدهم ممن أمسكوا بزمام السلطة واعتبروا الأمر فرصة للانتقام. وعند اندلاع الثورة المسلحة في سوريا- والتي كانت تُرى وقتذاك على أنها ثورة سنية ضد الطاغي الشيعي- أغرى ذلك سنة العراق بفعل نفس الشيء فتطاير شرر المعارضة الموجودة في سوريا للعراق عبر الغرب الذي غض سنته الطرف عنها باعتبارهم جاءوا للمساعدة أو عملا بمبدأ اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، إلى أن استفحل الورم الخبيث وخلعت تلك المعارضة قناعها وبدا وجه داعش ولكن بعد فوات الأوان.

في إيران نجد مشهدا مشابها في قضية الأحواز حيث يعاني عرب إيران من التهميش، مما دفع ببعضهم أن يطالبوا بالاستقلال بدولة عربية. ومازلت أذكر ما حدث في مباراة كرة القدم قبل سنين والتي كانت بين إيران والسعودية عندما ذهب أحوازيون للمباراة بالجلابيب البيضاء والأشمغة الحمراء رافعين أعلام السعودية ليشجعوها ضد فريق بلدهم، مما تسبب وقتها باندلاع اشتباكات أعقبت بأحداث عنف ومظاهرات. وتنقسم آراء العرب في بلادنا تجاه الأحواز بين من يؤيد قضيتهم في الاستقلال بدولة في حين أنه لا يؤيد نفس الشيء للأكراد مثلا ومن لا يؤيد قضيتهم لأن غالبيتهم شيعة. وهذا يمثل بدقة فكرنا ومواقفنا المنحصرة بين الشعوبية والطائفية.

أما أبرز المشاهد التي توضح عوائد اضطهاد الأقليات وعوار الضمائر، فهو ما حدث مع اليهود الذين لولا اضطهادهم في أوروبا لما فكروا في البحث عن وطن خاص بهم، خصوصا لو علمنا أن الحركة الصهيونية تم دعمها من البلدان التي تضطهد اليهود بهدف طردهم بعيدا إلى بلد ما خارج أوروبا. وبالرغم من أن بلاد العرب كانت بعيدة عن ذلك الصراع وكانت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين واليهود فيها جيدة، إلا أنه بعد قيام دولة إسرائيل تم تهجير اليهود العرب «عرب 48» إلى إسرائيل جراء ممارسات متطرفة انتقامية أو سلبية من الحكومات في الدفاع عنهم، ومن أراد وقتها من يهود العرب الذهاب لإسرائيل طوعا كانت تجبره الحكومات العربية عن التخلي أو بيع كل ممتلكاته قبل الذهاب، مما ساعد في تقوية دولة إسرائيل نفسها بتلك الأعداد المُهجّرة وخسارة الدول العربية أبناءها هؤلاء لا بسبب ممارسات ارتكبوها بحق أوطانهم إذ لم يكن لهم أي دخل بقيام دولة إسرائيل بل بسبب دين يدينون به على أرضهم منذ قرون وقرون.

كثيرا ما يكون اضطهاد الأقليات بل الاضطهاد عموما الزاوية المهجورة التي لا ننظر منها في الحكم على الأحداث، رغم أنها الأخطر والأكثر تأثيرا على مجريات الأمور، فلكل فعل رد فعل. وأن تمارس طائفة من الشعب «كأغلبية» اضطهاد فئة أخرى أضعف أو تتجاهل الظلم الواقع عليها باعتبار أنها غير مشمولة بالضرر، فهي يقيناً تهدم بيتها بيدها، فكأس الظلم دوار، ونحن نرى حولنا كيف أن نار الطائفية والشعوبية لا ينجو منها أحد. ومن كبرى علامات الخيانة هي التحريض على الآخر واضطهاده، والاضطهاد قد يبدأ بنظرة غير مرحبة وينتهي بدمار البلد بأكمله، وكل ما يحدث في بلادنا العربية ما هو إلا نتيجة إعادة تدوير منتجاتنا من الاضطهاد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف