الوطن
احمد عمر
إذا فسد الملح فبماذا يُملح؟!
لن نخترع العجلة في موضوع إصلاح مؤسسات الدولة؛ فبعيدا عن كل النظريات التي قيلت فيما يتعلق بآليات الإصلاح، تظل هناك نظرية بسيطة وقديمة، وآلية مضمونة، عبر عنها السيد المسيح عليه السلام، عندما قال: إذا فسد الملح، فبماذا يُملح ؟!

وقياسا علي مقولة السيد المسيح، نقول: إذا فسدت القيادات، وفسد القائمين على إدارة مؤسسات البلاد، أو تقاعسوا لجبن فيهم، عن مقاومة الفسادـ، فكيف يتم التغيير والإصلاح، الذي تنتظره جموع الشعب المصري، التي ثارت على أرث الفساد والخراب في 25 يناير، وثارت على الفاشية الدينية، ومحاولة تغيير هوية الدولة المصرية في 30 يونيو. وفوضت بعد ذلك، المشير السيسي لمحاربة الإرهاب، ووقفت خلفه بكل ثقة وطمأنينة، ودعمته وانتخبته رئيسا للجمهورية. وبالتالي فالخطوة الأولى في إصلاح المؤسسات، هو حُسن اختيار القيادات.

أعلم جيدًا، أن أرث الخراب والفساد في كافة قطاعات ومؤسسات ونخب الدولة المصرية، أكبر مما كنا نتصور. وأن هذا الفساد لملح القيادات، قد حدث عبر عقود طويلة ماضية، كانت هناك آلية شبه رسمية للفساد والإفساد، تم عبرها إسناد الأمر في كل مجال إلى أسوأ أهله، ليسهل السيطرة عليهم، وتسيير الأمور من خلالهم، حتى تحولت مؤسسات الدولة إلى شبه اقطاعيات خاصة وعائلية، يديرها وفق هواه، من يظن أنه رب المؤسسة الأعلى، وكل خيرها يجري من تحته، ليختص به لنفسه، ولأصحاب الولاء والمصالح من حوله.

وتفكيك هذه الاقطاعيات معركة ضرورية لابد وأن تخوضها مؤسسة الرئاسة، وكافة الأجهزة الرقابية التابعة للدولة، بعد منحها سلطات مضاعفة، وتكليفها بمتابعة عمليه التغيير المطلوب في قيادات مؤسسات الدولة في كل المحافظات، واستبعاد أصحاب الشبهات، والولاءات المشبوه، وفقراء الفكر والإرادة، وإحلال قيادات جديدة نظيفة اليد والغرض، وصاحبة وعي وطني وسياسي متقدم، وفكر وهمة، وإخلاص، وقدرة على العمل والانجاز، وتحمل المسؤولية في المرحلة الحالية.

وأظن أن رئاسة الجمهورية، ونتيجة لكثرة التحديات والملفات المفتوحة أمامها في الداخل والخارج، يجب

أن تسعى لإحداث هذا التغيير الضروري، عبر ما يمكن نُطلق عليه " استراتيجية التغيير المرن " التي تتفادى - في المرحلة الحالية - الصدام وفتح الملفات القديمة، ولكنها تسعى بهدوء وحزم لاستبعاد كل من حامت حوله الشبهات، أو لدية ملفات فساد، أو انتماء سياسي فاسد لجماعات غير وطنية. ثم اختيار قيادات ذات أسماء ووجوه غير معروفه، وتاريخ نظيف، وقادرة على تأسيس بداية جديدة، تُحدث قطيعة مع الماضي بكل رواسبه وشخصياته.

بل يمكن القول، إن مؤسسة الرئاسة قد تبنت بشكل أو أخر هذه الاستراتيجية، ولكن على نحو محدود، وقد ظهرت ملامحها في حركة اختيار المحافظين الأخيرة، وفي التغيير الوزاري الأخير. ويبقى أن يستمر هذا الأمر، ليشمل قيادات الصف الأول والثاني في كل وزارة ومؤسسة وقطاع حكومي؛ حيث يجب أن يكون معيار اختيار قيادتها بعد النزاهة والكفاءة والهمة، بعدهم عن جماعات الفساد والمصالح القديمة، التي فسدت أو سهلت الفساد، وبعدهم أيضا عن جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الدينية، التي تعادي فكر وثقافة وهوية الدولة الوطنية المصرية، والتي اخترقت المجتمع وكافة مؤسسات البلاد، عبر العقود الماضية.

هي إذن معركة للتغيير والإصلاح، ربما تفوق من حيث نطاقها ومداها معركة الدولة ضد الإرهاب، ولكن يجب علينا جميعا أن نخوضها وننتصر فيها، لكي نقضي على البيئة المنتجة والحاضنة للإرهاب عبر العقود الأربعة الماضية، ونعطي للمصريين أملا في التغيير والإصلاح، والاتجاه نحو مستقبل أفضل، يدحض لديهم الحكمة المصرية الخالدة: مفيش فايدة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف