أبو الفتوح قلقيلة
مصر اللى نفسها في قطعة شيكولاتة!
لا تقف حدود المأساة عند تعنت مجموعة من موظفى أحد المحال التجارية الشهيرة، مع الأب المسكين حديث مصر بأكملها، والذي تم القبض عليه وتحرير قضية له بسبب سرقته لقطعة شيكولاتة، اشتاقت نفس طفله المحروم إليها.. الأمر يتعدى ذلك بكثير، فحتى هؤلاء الموظفين (الأبطال) ينتمون بكل تأكيد للطبقة المفقورة في مصر حديثا، بسبب كوارث اقتصادية كثيرة كان آخرها تعويم الجنيه، لكن المؤسف والمؤلم أكثر في الأمر، أن هؤلاء الموظفين أو العمال الفقراء لم يتعاطفوا مع من مثلهم، ربما كانوا يفوقون هذا الأب الضحية دخلا، ولكنهم بالطبع فقراء أو ممن يعيشون على الهامش، ومع ذلك لم يجمعهم الألم بقدر ما جمعهم الأمل في الحصول على مكافأة أو حافز قسوة من صاحب المحل!
بئس القوم نحن إن تحجرت قلوبنا، وفقدنا إحساسنا بأنفسنا أوبمن هم منا أو على الأقل مثلنا فقرا وبؤسا وضعفا ومهانة.. فللأسف قد أحدثت التغيرات الاقتصادية في البنية الاجتماعية المصرية شروخا كبيرة في العلاقة بين المصريين كبشر وأهل وجيران، تحديدا منذ الترويج لقيم الانفتاح الفاسدة في عهد السادات وما تبعه من سطوع نجم أحمد عدوية مثلا في إحدى أغانيه الكارثية المسماة: خلى بالك من الجنيه.. وفيها يعدد أن قيمة الإنسان فقط تتماهى وتكافئ قيمة ما يملكه من نقود.. لا يهم من أين اكتسب تلك النقود، المهم أنها معه وبحوزته!
كان بمقدور أحد العاملين في تلك المؤسسة التجارية أن يدفع قيمة قطعة الشيكولاتة لوالد الطفل خاصة أن الرجل لم يسرق شيئا ثمينا أو حتى طعام لأسرته، مما يشى بدرجة من النبل والقناعة فيه أو ما نسميه الطيبة حتى وإن كان سارقا.. هذا بالطبع بخلاف الغلب والبؤس وكسرة القلب التي يحياها يوميا مع كل مطلب يعجز عن تلبيته لأسرته الفقيرة والتي يشعر بالذنب في وجودها.. وربما في وجوده هو شخصيا في حياتهم في عصر مليء بالظلم والإجحاف والقسوة.. انعدمت الرحمة وصرنا فقط قادرين وطغاة على الغلابة والمعدمين.. بئس القوم نحن!
بالطبع تم تحويل الرجل للنيابة والتي أخلت سبيله بضمان محل إقامته، أي بضمان فقره، وهو ما يلازمه طوال حياته فأضيف إليه عار لا يستحقه، المحزن أن أحدا لم ينه الموضوع في وقته بدلا من إلصاق جنحة برجل مسكين كل حظه العاثر أنه فقير ومطحون ولا أمل في رعاية أمثاله لأن الحكومة تخلت نهائيا عن الغلابة بل واعتبرتهم عبئا وكارثة وفاجعة أكبر من الفساد ورموزه الكبار المبجلين الذين نهبوا مليارات من دم كل مصرى معدما كان أو فقيرا أو حتى متيسرا، ثم صالحته الحكومة بقوانين مدللة منجية له ومهلكة لنا جميعا وللوطن.
البلد التي دفعت لأحد لاعبى الكرة الأثرياء في العالم ما يقرب من عشرين مليون جنيه، وبالعملة الصعبة أو المستحيلة التي خربت بيوتنا حتى يتفضل عليها سيادته ويبوح بحبها على الشاشات، تستخسر قطعة شيكولاتة في أحد أبنائها الذين يحبونها بالفطرة.. ومع ذلك أخجلهم الملياردير ميسى ورفض أن يقولها، وربما سخر من مصر بأكملها وبمن استضافه وأنفق عليه ببذخ من جيوب المصريين الغلابة الذين خرج بعضهم للمطالبة بخمسة أرغفة من الخبز قبل عدة أيام، والذين سيتم سجن أحدهم لأنه حاول تلبية رغبة ابنه البسيطة في تناول قطعة حلوى من نفسه يا بشر!
إن من يستحق السجن هو كل فاسد أكل مال هذا الشعب، وكل مسئول لم يقم بواجبه ولم يؤد أمانته، ولم يحافظ على حق مصر الوطن.. أي مصر المصريين، فالمصرى هو الوطن وبدونه لا شىء له قيمة.. الطفل المسكين الذي سيتم سجن أبيه هو مصر، لكنها مصر المنسية والمفقورة والمقهورة لحساب من لا يستحق سوى السجن.. رحماكم بمصر الحقيقية، رحماكم بالبسطاء والغلابة المنهوبين المطحونين، وحقا صدق رسولنا الكريم إذ قال: (إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).. المؤسف أنهم يبجلونه ويتصالحون معه هذه الأيام !