أقدم لكم اليوم يا أصدقائي كتاباً يسبح عكس التيار.. يدق علي أبوابنا بشدة في الليل البهيم.. ليوقظ النيام والمُضَلَّلين.. ويذكرهم من جديد بالثوابت الوطنية والقومية والتاريخية التي يُراد تغييبها عنهم أو تغييبهم عنها.. كتاب "فلسطين والمستقبل العربي" الذي يفتح ثغرة في جدار التخاذل العربي ليدخل منها صوت الحقيقة ونور الحقيقة.. لعل الناس تسمع وتري.. وتدرك بعد طول تخبط أن وطنهم العربي كيان واحد.. في التاريخ والجغرافيا.. في الماضي والحاضر.. وقد صار مستقبله اليوم مرتبطاً بمستقبل فلسطين.. إن انتصرت فلسطين الجريحة انتصرنا جميعاً.. وكانت فرصتنا في النهضة وامتلاك أسباب القوة عظيمة.. وإن ضاعت فلسطين ــ لا قدر الله ــ ضعنا جميعاً ولن تقوم لنا قائمة.. وحتي إذا انتعشت بعض أسواقنا وارتفعت معدلات الدخل وزادت عوائد البترول فكلها ظواهر طارئة ومؤقتة.. ولا يمكن أن تكون دليل قوة استراتيجية ونهضة حقيقية.. لأن مفاتيحها في يد الغير.. إن شاء منح وإن شاء منع.
هذا كتاب يبسط ويناقش ويوجه إلي قضية الوعي الحقيقي بضرورات المستقبل وشرائطه.. ويقدم من دروس التاريخ ما يؤيد رؤاه وأحكامه.. عندما اجتمع العرب واتحدت كلمتهم انتصروا وتفوقوا وسادوا العالم.. وعندما تفرقوا انهزموا وتقوقعوا وانفرط عقدهم.. ولا عزاء لمن لايزالون يروجون للحلول المنفردة والتوجهات القطرية.. ويتصورون أنهم سوف ينقذون أنفسهم بعيداً عن القضية الفلسطينية وتعقيداتها وتضحياتها.. فلقد جربنا الحلول المنفردة وفشلنا.. وقد آن الأوان لكي نعيد النظر في سيناريوهات الحلول المنفردة وما جرته علينا من ويلات وما أصابتنا به من وهن.. حتي ننقذ أنفسنا حين ننقذ فلسطين.. ونحرر أنفسنا حين نحرر فلسطين.. ففلسطين هي طريقنا الوحيد المأمون نحو المستقبل الذي يليق بنا.
مؤلف كتاب "فلسطين والمستقبل العربي" هو الكاتب والمفكر العروبي القومي الأستاذ عبدالعال الباقوري.. المعروف بفكره الثاقب.. وانحيازه للقضية الفلسطينية العادلة ودفاعه عنها بعقل مقاتل واع يمتلك أدواته وأسلحته المتمثلة في الحقائق التاريخية والقدرات البحثية والبوصلة الوطنية التي لا تخيب.
في المبحث الأول قدم لنا المؤلف علاقة عبدالناصر بالقضية الفلسطينية.. وكيف وضعها في الاستراتيجية العربية.. وربط مصير العرب ومستقبلهم بمصير فلسطين ومستقبلها.. وتضمن الفصل الأول "فلسطين وعبدالناصر".. وتضمن الفصل الثاني خطة تحرير فلسطين التي أعدها عبدالناصر بخط يده وعثرت عليها هدي عبدالناصر في أوراق أبيها الخاصة.. أما المبحث الثاني فيتناول كلمة ياسر عرفات أمام المجلس الوطني الفلسطيني بالقاهرة في مارس 1977 والتي كشف فيها أسراراً عديدة.. كان أهمها اللقاءات التي جمعت عناصر من حركة فتح مع عناصر إسرائيلية تدعي أنها من معسكر السلام وكذلك كلمة أبو إياد.. ويتناول المبحث الثالث دراسة وافية عن حروب الفرنجة ودروسها المستفادة.. حتي نعرف أن الحاضر ليس أكثر من حلقة. موصولة بالماضي.
صدر الكتاب عن سلسلة "كتاب الجمهورية" التي يرأس تحريرها الكاتب الصحفي الصديق سيد حسين.. الذي عودنا علي تقديم كل كتبه بدراسة نقدية تحمل رؤاه وفكره حول موضوع الكتاب.. وفي دراسته حول كتابنا هذا "فلسطين والمستقبل العربي" أمتعنا بدراسة شيقة وشاملة عن ارتباط الأمن القومي المصري والعربي بقضية فلسطين التي تمثل بالنسبة لنا المعبر والممر.. منذ أن فكر عمرو بن العاص في فتح مصر إلي أن جاء مفكرنا العبقري الدكتور جمال حمدان ووثق هذا الارتباط بدراساته المعمقة.
حدثنا سيد حسين أيضاً عن الحلم الصهيوني الذي يجري تنفيذه خطوة خطوة بمساندة ودعم الغرب.. ودور المسيحية الصهيونية في هذا الأمر.. والمؤسسات الاقتصادية الغربية التي تتولي تمويل المستوطنات لتحقيق الحلم.. وكم كان رائعاً أن يختتم هذه المقدمة بقصيدة أمل دنقل التاريخية "لا تصالح".
هذا الكتاب يقول ببساطة إن الطريق إلي تحرير فلسطين هو أن يستقر في العقل الجمعي العربي أن صراعنا ليس مع الكيان الصهيوني فحسب وإنما مع الغرب صانع هذا النبت اللعين في فلسطين العربية.. وهذا لن يتأتي إلا بالعلم والاقتصاد والعدالة الاجتماعية والحرية السياسية والجيوش القوية ضد الهيمنة والتبعية وتحقيق الأمل في الوحدة العربية.