سليمان جودة
دماء أطفال شوارعنا تتفرق بين الوزارات
قبل أيام، كانت الدكتورة غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى تطلق مبادرة «إنقاذ أطفال بلا مأوى» فى مركز شباب الفسطاط، فى مصر القديمة، فقام طفل يتحدث، وكان أن أبكاها وأبكى الحاضرين!
أبكى الوزيرة، وأبكى الحاضرين معها، لأنه قال الحقيقة، ولأنه كان صادقًا فيما قاله، ولأنه قال ما كن يحس به، ولأنه فقط قد ترجم مشاعره وأحاسيسه إلى كلمات!
ققال الطفل ما معناه، أنه مع غيره من أمثاله، مجرد ضحايا، وأنهم إما ضحايا للضرب فى المدرسة، أو للضرب فى البيت، وأنهم يتأذون كثيرًا، حين يصفهم غيرهم، بأنهم أطفال شوارع، أو أنهم أطفال بلا مأوى، أو.. أو.. إلى آخر هذه التسميات التى تؤذى بطبيعتها أى إنسان!
الوزيرة من جانبها، كانت عينها فيما يبدو بصيرة، ويدها قصيرة، لأنها مسحت على رأس الطفل، وتأثرت بما قال طبعًا، ووعدته بأنها سوف تسعى إلى أن تحل مشكلته، ومشكلة غيره ممن يماثله، وأنها سوف تعمل فى هذا الطريق، مع شركاء لها فى منظمات المجتمع المدنى!
وربما نذكر الآن، أن الرئيس السيسى حين ألقى خطابًا شهيرًا قبل نحو ثلاثة أشهر من الآن، وحين كان يقدم فيه كشف حساب لجهد ستة أشهر من جانبه، منذ تولى الحكم، فإنه تجنب أن يصف مثل هؤلاء الأطفال، بأنهم أطفال شوارع، ووصفهم بأنهم «لحمنا الذى فى الشوارع» ووعد يومها بأن مشكلتهم سوف تكون على أجندته، وسوف لا يتركهم فى الشوارع، ولا على النواصى هكذا، كما هو الحال الآن!
من جانبنا أيضًا، فإننا صدقنا الرئيس حين تكلم، وصدقناه حين وعد، ونصدقه اليوم، ثم نلفت نظره، ونظر العاملين معه، إلى أن تصديقنا له يتطلب منه نظامًا واضحًا فى العمل، وأول مبادئ هذا النظام، أن يتكلم معنا بانتظام، وأن يقدم كشف حسابه، وحساب حكومته، لنا، أولًا بأول!
إنه، مثلًا، قد وعدنا يوم إلقاء خطابه ذاك، بأنه سوف يكون خطابًا شهريًا، على غرار الحديث الإذاعى المنتظم الذى يخاطب من خلاله الرئيس الأمريكى، مواطنيه الأمريكان، ولكن شهرًا مر من بعد خطاب الرئيس، ثم مر شهران، ثم ثلاثة، ولا حس، ولا خبر!.. ومع ذلك، فلا تزال الفكرة قائمة، ولا يزال الرئيس قادرًا على أن يستدرك ما فات، وأن يخاطبنا فى أول كل شهر، بصراحة، ووضوح، وشفافية كاملة، وأن يقول لنا، عندئذ، ماذا فعل هو، وفعلت حكومته، فى مأساة أطفال الشوارع، وأكاد أقول كائنات الشوارع، لأنهم ليسوا أطفالًا فقط، وإنما هناك رجال شوارع، ونساء شوارع، وفتيات شوارع، وصغار شوارع، نراهم جميعًا فى الذهاب وفى الإياب!
ولا بد أن أول خطوة، نحو إنجاز شىء فى هذا الاتجاه، هو أن تكون هناك جهة واحدة، هى المسئولة أمامنا، وأمام الدولة، عن أطفال وكائنات الشوارع هؤلاء!
لا بد من جهة واحدة، لأنك لا تعرف الآن، ما إذا كانت الدكتورة غادة هى المسئولة وحدها بحكم منصبها، وبحكم مُسمى وزارتها، أم أن الدكتورة هالة يوسف، وزيرة السكان، هى المسئولة، بحكم منصبها أيضًا، وبحكم مُسمى وزارتها، أم أن الدكتورة عزة العشماوى، هى المسئولة، بحكم وجودها على رأس المجلس القومى للطفولة والأمومة، أم من بالضبط؟!
لا نعرف.. لأن كل سيدة من هؤلاء السيدات الثلاث، يمكن أن تكون مسئولة عن هذا الملف، ويمكن ألا تكون، كما أن المشهد الذى جرى بين الوزيرة غادة والى، وبين الطفل الذى أبكاها، يمكن أن تجد له مثيلًا عند زيارة الدكتورة هالة، أو الدكتورة عزة، لأى موقع عمل يتبع أيًا منهما!
أريد أن أقول، إن لحمنا الذى تأذى الرئيس من حاله، فى خطابه، لا يزال كما هو، ولم ننجز شيئًا من أجله بعد، وإذا كنا قد أنجزنا شيئًا، فإن أحدًا لم يبلغنا، ولم يشرح أو يوضح لنا.
ونقطة البداية، أن تكون جهة واحدة هى المسئولة عن الموضوع، حتى لا يحدث نزاع بين الجهات المتعددة، وحتى يمكن أن نحاسب هذه الجهة الواحدة، وأن نسألها عما كان عليها أن تفعله، ولم تفعله!
وحدوا الجهات المسئولة، فى جهة واحدة، ثم اطلبوا منها جدولًا زمنيًا له سقف، لإنجاز شىء فى هذا الملف الموجع، حتى لا تتفرق دماء لحمنا بين القبائل.. أقصد بين الجهات!